الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

د. لؤي زعول نصوص نفسية (الفارابي)

جامعة الخليل
         د. لؤي زعول                                  نصوص نفسية عند علماء المسلمين
(دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملخص محاضرات رقم ( 3 )
الفارابي:                                                                                  
·        أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان المعروف بالفارابي، الملقب بالمعلم الثاني بعد أرسطو.
·        ولد 259-339 ه/ 872-950م في بلدة سيج بولاية فاراب/ تركستان وتوفي في دمشق بعمر 80 عام.
·        اشتغل بالقضاء في بلده، لكن كان يميل الى دراسة الفلسفة وحقائق ما وراء الطبيعة.
·        ذهب الى بغداد لدراسة المنطق والنحو والفلسفة، وقرأ كتب أرسطو وأفلاطون منها كتاب (النفس) لأرسطو
·        عاش في فترة ضعف سلطة الخلافة العباسية وبداية تدخل النفوذ التركي وسلطتهم في ادارة شؤون البلاد.
·        هاجر الى دمشق بعد ان عمت الفوضى والاضطراب بغداد، ثم انتقل الى حلب وعمل في حراسة بستان الى ان تواصل مع أميرها سيف الدولة الحمداني، الذي ضمه الى حاشيته بعد ان عرف فضله.
·        عرف عنه الزهد والعزوف عن الحياة والتفرغ للعلم والتأمل والتفكير، وتصف بملابسه الصوفية البسيطة.
·        لم يتزوج ولم يقتني مالاً ولو أراد لأعطاه الأمير الحمداني.
·        اشتهر بمعرفته لكثير من اللغات، وكان ذكياً ونشيطاً.
·        أتقن الكثير من العلوم منها( الفلسفة، الموسيقى، الرياضيات، الطب، الفقه والعلوم العسكرية).
·        اخترع آله موسيقية تشبه القانون وألف كتاباً بالموسيقى، يعتبر من أهم الكتب في الموسيقى الشرقية.
·        اعتبره ابن خلدون من (أشهر الفلاسفة المسلمين الكبار)، ولقبه المؤرخ القفطي (بفيلسوف المسلمين).
·        اعتبر من المفسرين والملخصين لكتب أرسطو خاصة كتب المنطق وعليه لقب أيضا (بالمنطقي).
·        كان يميل الى التنظيم العقلي ويسعى دائماً للتنسيق والتوحيد، وقد اتفق مع الكندي في التوفيق بين أراء أرسطو وأفلاطون وبين الفلسفة اليونانية والدين الإسلامي.
·        اعتبره د. إبراهيم مدكور 1968 بكتابه ( في الفلسفة الإسلامية) انه أول من صاغ الفلسفة الإسلامية في ثوبها الكامل، ووضع أصولها ومبادئها، مع عدم إغفال دور الكندي بذلك.

مؤلفاته:                                                                                     
·        الف الفارابي في جميع العلوم في عصره وكتب كتباً مطولة لم ينشر معظمها، ولم تلق انتشار مثل كتب ابن سينا الذي تأثر بالفارابي كثيرا، كما تعمق  بنفس الإنسانية.
·        وقد ذكر القفطي انه كتب 17 شرحا و60 كتاباً و25 رسالة، لم يصلنا منها الا 40 ومازال كثير منها في مكتبات العالم.
·        معظم مؤلفاته في المنطق والفلسفة وقد قدم شرحا لكتب أرسطو وأفلاطون.
·        انتقده ابن الطفيل وابن رشد للتناقض في أرائه التي وقع فيها نتيجة وقوعه في أخطاء ترجمة الكتب من اليونانية الى العربية التي ضللت كل من الكندي والفارابي والتي أدت الى تشويه أراء أفلاطون.
من اهم كتبه ورسائله التي لها علاقة بالنفس:
(كتاب أراء اهل المدينة الفاضلة/ كتاب تحصيل السعادة/ كتاب السياسات المدنية/ كتاب المنطق الفارابي/ كتاب تحصيل السعادة/ رسالة في العقل/ كتاب العقل والمعقول/ رسالة النفس والعالم/ رسالة في العقل/ رسالة فصوص الحكم).
تعريف النفس وماهيتها:                                                                     
·        اتفق الفارابي مع الكندي وأرسطو في تعريف النفس وهي: ( كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة) أي انها صورة للبدن حسب أرسطو وتتكون من (مادة) صورة، والمقصود بان النفس كمال أول للبدن هو: ان بها يكمل الجنس فيصبح نوعاً قائما بالفعل وهو الجسم الطبيعي وليس جسم اصطناعي، والمقصود بالآلي: انه يقوم بوظائفه بواسطة آلات وهي أعضاؤه المختلفة، اما معنى ذي حياة بالقوة ان فيه استعداد للحياة وتهيؤاً لقبول النفس.
·        وقد اتفق أيضا مع أفلاطون وفق مبدأ العقيدة الإسلامية، بحيث ذهب الى ان النفس الإنسانية جوهر روحاني قائم بذاته، والإنسان مكون من عنصرين هما: روحاني(ألاهي) وبدن (مادي).

·        ويقول الفارابي في رسالة "فصوص الحكم" عن الإنسان ( أنت مركب من جوهرين احدهما مشكل مصور مكيف متحرك وساكن متجسد منقسم، والثاني مباين للأول في الصفات غير مشارك له في حقيقة الذات، يناله العقل، ويعرض عنه الوهم. فقد جميعت من عالم الخلق ومن عالم الأمر، لان روحك من أمر ربك، وبدنك من خلق ربك).
·        حاول كل من الفارابي وابن سينا التوفيق بين رأي أرسطو وأفلاطون لمفهوم النفس بقولهم: (ان النفس جوهر وصورة، فهي جوهر في ذاتها، وهي صورة من حيث علاقتها بالبدن).
قوى النفس:                                                                                  
نجد في أقوال الفارابي عن قوة النفس بعض الاختلافات في كتبه ورسائله المختلفة، ورغم ذلك يمكننا إجمال تصنيفه للنفس بالتالي:
أولاً: النفس النباتية وهي موجدة في النبات و الحيوان و الإنسان تنقسم:
1-  القوة الغاذية: وهي التي تقوم بوظيفة التغذية، بحيث تحيل الغذاء الى مشاكلة الجسم الذي هي فيه، فتلصقه به بدل ما يتحلل منه، ولها قوتان: الأولى بالفم والثانية أعلى في القلب.
2-  القوة المربية: وهي المنمية التي تقوم بوظيفة النمو حتى يبلغ الجسم كامله في النشؤ.
3-  القوة المولدة: وهي المسؤولة عن التوليد للحفاظ على بقاء النوع.
ثانياً: النفس الحيوانية تشمل:
1- القوة المدركة: وهي قبول المدرك لصورة المدرك فالقوة الحاسة مثلاً تقبل صورة المحسوس الخاص بها وتنقسم:
     أ‌-     قوة مدركة من الخارج (حواس خارجية): وتشمل الحواس الخمس، (شرح)     
(السمع: يحدث نتيجة تموج الهواء الواصل الى الإذن من جسمين متصاكين، والبصر: يدرك الأشياء التي تحاذيه، فإذا زال الإدراك تبقى الصورة بالذكرى، اما الذوق واللمس والشم: فهي قوى في أعضاء حسية تحس ما يحدث فيها نتيجة لاستجابة مثير).
ب‌- قوة مدركة من الباطن ( حواس باطنية):
1- الحس المشترك (الملك):
وهي التي تجتمع عنده الإخبار من مختلف الحواس، ويتناقض الفارابي شرحه لها، باعتبار ان مركزها في القلب، كما ورد باتفاقه مع أرسطو في كتابه (أراء أهل المدينة الفاضلة)، في حين يعتبرها في رسالة (فصوص الحكم) ان مركزها يقع في التجويف المقدم من الدماغ، ليتفق بذلك مع الطبيب اليوناني جالينوس.
2- القوة المصورة:
وهي الخزانة التي تجمع فيها صور المحسوسات بعد غيابها عن الحواس الخارجية، ومركزها في التجويف المقدم من الدماغ، كما ورد في رسالة (فصوص الحكم)، في حين لم يذكر القوة المصورة في كتاب (أراء أهل المدينة الفاضلة) والتي نسب فيها حفظ صور المحسوسات الى القوة المتخيلة ومركزها القلب، وبهذا يتفق مع أراء أرسطو، ليظهر التناقض في مقولاته من جديد. 
3-  القوة المتخيلة:
وهي التي تقوم بجمع او فصل المحسوسات، كما أنها تقوم باسترجاع ما مضى من خبرة او تتوقع ما سيحدث بالمستقبل، وقد أضاف الفارابي في كتاب (أراء أهل المدينة الفاضلة) للمخيلة وظيفة حفظ المحسوسات بعد غيبها عن الحواس، وان مركزها هو القلب، لكنه في رسالة (فصوص الحكم) يجعل القوة المصورة مستقلة بذاتها، تقوم بوظيفة حفظ صور المحسوسات بعد غيابها عن الحواس، واعتبر الفارابي ان القوة المتخيلة اذا استخدمها الوهم سميت متخيلة واذا استخدمها العقل سميت مفكرة.
4- الوهم:
وهي القوة التي تدرك المعاني غير المحسوسة الموجودة في المحسوسات الخارجية، وتأتي عن طريق حاسة باطنة وتسمى (القوة الوهمية).
5- الذاكرة او الحافظة:
وهي التي تحفظ المعاني التي يدركها الوهم وتنقسم الى ( اذن وبصر) تحفظ صور المحسوسات بعد غيبتها.

2- القوة المحركة:
هي القوة التي تنبعث من العضلات والأعصاب للقيام بحركة معينة لتحقيق ما يريد الحيوان القيام به، وهي موجودة في مختلف القوة الحاسة والمتخيلة والناطقة، ويعتبر الفارابي ان مركزها القلب، وتنقسم قوة الحركة النزوعية الى:
أ‌-     قوة شهوانية: تنزع  الى الحصول على ما يشتاق اليه الحيوان من ضروريات.
ب‌-قوة غضبية: وتنزع الى تجنب ما هو مكروه ومضر.
كما وتظهر ايضا قوة الارادة مقابل النزوعية التي اختص بها الإنسان عن غيره عبر ما اسماه الفارابي (بالقوة الفكرية) التي تفتح للإنسان قدرة الاختيار والتفكر وتميزه عن غيره.

ثالثا: النفس الناطقة (العقل او القوة الناطقة):
وهي التي تميز بها الإنسان الجميل عن القبيح، وقد فرق الفارابي بين نوعين في القوة الناطقة:
1-   العقل العملي: وهو الذي يستنبط به الإنسان ما يجب فعله من الإعمال الإنسانية المهنية والاقتصادية و وجدات هذه القوة لتخدم القوة النظرية، ومركزها القلب.
2-   العقل النظري: هو الذي يدرك المعقولات الكلية المجردة، وهو الذي يتم به جوهر النفس، ولا يخدم شيئاً أخر، ولكي ينعم بالسعادة عليه بالابتعاد عن القوة الحيوانية والتوجه نحو عالم الأمر للحصول على السعادة، والعقل النظري يتميز بالمراتب.
مراتب العقل الإنساني(النظري) حسب الفارابي:
1-  العقل الهيولاني: هو قوة من قوى النفس، ويصبح عقلاً بالفعل اذا حصلت فيه المعقولات، ولا يصبح عقلاً من نفسه، بل يحتاج الى شي أخر ينقله من القول الى الفعل مثل ضوء الشمس للبصر.
2- العقل بالفعل او العقل بالملكية: عندما يؤثر العقل الفاعل في العقل الهيولاني تصبح المحسوسات في القوة المتخيلة معقولات في القوة الناطقة، ويحدث ذلك عبر تسليط العقل الفاعل على صور المحفوظات في المتخيلة فيجردها من لواحق المادة ويرسلاها الى الهيولاني المستعد لقبولها، ويسمي الفارابي المعقولات المستمدة من المحسوسات المحفوظة في القوة المتخيلة بالمعقولات الأولى وتصنف لثلاث:
أ‌-     صنف مبادئ الهندسة العلمية وهي ان الكل أعظم من الجزء.
ب‌- صنف المبادئ الأولية للأخلاق المعروفة بالجميل والقبيح من السلوك.
ت‌-صنف المبادئ التي يستعين بها الإنسان في معرفة أصول الموجودات الخارجة عن نطاق فعل الإنسان.
3-  العقل المستفاد: وهو الذي يخلد بعد فناء البدن، ويصنف انه أعلى مراتب العقل الإنساني، بحيث يصبح قادراً على إدراك المعقولات المجردة من المادة، وبالتالي هو جزء من النفس التي لا تتلف بتلف المادة (البدن). أي هو " الذي أصبح بالفعل يدرك المعقولات كلها، ويكتسبها في نفسه من حيث صورها المجردة للمحسوسات لا مادياتها".
تلخيص القوة النفسانية عند الفارابي بالشكل التالي:
وحدة النفس الإنسانية:                                                                          
رغم ان الفارابي قسم النفس الإنسانية الى قوة مختلفة، الا ان هذه القوة ليست مستقلة عن بعضها البعض، بل انها متفاعلة ومتشابكة لتشكل النفس الإنسانية الواحدة، ويرتبها بشكل تدرجي بحيث تخدم كل قوة ما فوقها (أي الناطقة رئيسة للمتخيلة والمتخيلة رئيسة للحاسة والحاسة رئيسة للقوة الغاذية والقوة الغاذية تخدم البدن.
نظرية المعرفة:                                                                                
لم يضع نظرية خاصة ومستقلة في المعرفة الإنسانية كما فعل في بعض نظرياته التي تخص السياسة والتصوف، إلا أن أفكاره في نظرية المعرفة جاءت منثورة التوزيع بين طيات مؤلفاته، وذلك من خلال معالجاته وتشخيصاته إلى النفس وقواها من ناحية، وإلى العلوم العقلية والإلهية من ناحية أخرى، وهنا نتعقب أقوال الفارابي المتفرقة في هذا المضمار محاولين بقدر المستطاع تبيان عناصر هذه النظرية والتي ترتكز على أعمدة ثلاث هي: حسية وعقلية وإشراقية. ولقد جعلها وفق درجات متفاوتة ومختلفة بحسب قدرات البشر عند قربهم أو بُعدهم من العقل الفعال والاستغراق فيه. فهناك الناس العاديين ثم الحكماء والعلماء ثم أعلاهم شأناً الأنبياء.
1- المعرفة الحسية:
ينص الفارابي في: "كتاب الجمع بين رأي الحكيمين" على إن المعرفة التي تحصل عليها النفس البشرية تكون عن طريق الحس. فالحواس هي إدراك الجزئيات، ومنها تحصل الكليات التي هي التجارب على الحقيقة. وكلما كانت هذه التجارب أكثر كانت النفس أتم عقلاً.
بيد أن المعرفة حسب رأي الفارابي لا تحصل هكذا بالإنسان من خلال إدراك مباشر للحس بالمحسوسات، وإنما هناك قوى نفسية متعددة تتدخل بغية إتمامها وإكمالها، ولكن هذه القوى رغم تعددها إلا أنها تتفاوت في وظيفتها بحسب الكائن، فإن إدراك الجزئيات بصورها المادية تكون مشتركة بين الإنسان والحيوان، غير إن الإنسان يمتاز فيها بالنزوع نحو التفكير، ولهذه القوى جانبين أثنين: ظاهري وباطني، الأول يختص بالحواس الخمسة، والثاني يخص الحس المشترك كالخيال والوهم والذاكرة.

2- المعرفة العقلية:
تخص الإنسان وحده ولا أحد يملكها سواه وترتكز على القوة الناطقة، حيث يدرك بالعقل التجريدات الخالصة أو المعاني الكلية مثل: الله، الملائكة، الروح، الرياضيات، الهندسة وغيرها. ولهذا العقل ثلاث درجات وضحها الفارابي في كتابه: "السياسة المدنية" وهي: (العقل الهيولاني، العقل بالفعل والعقل المستفاد) وقد تم شرحها سابقا.

3- المعرفة الإشراقية:
عندما يصبح عقل الإنسان عقلاً مستفاداً، ولا يعود بينه وبين العقل الفعَال مسافة تفصل بينهما، فإن الحقائق تتجلى من العقل الفعَال كونه واهب الصور وتفيض منه كإشراقات تنزل على من أستطاع أن يتحرر من قيود المادة، وإذا حصل ذلك لإنسان ما كان الذي يوحى إليه بواسطة العقل الفعَال هو الله تعالى. لأن الله الذي يفيض منه إلى العقل الفعَال، فإن الأخير يعود ويفيضه إلى العقل المنفعل لهذا الإنسان. وبالتالي يصبح هذا الإنسان فيلسوفاً.

ما يتعلق بالنظرية المعرفية عند الفارابي:
إذا كانت نظرية المعرفة عند الفارابي موزعة ومتداخلة في بعض نظرياته عن: النفس، الفيض، النبوة، التصوف، فإنه من المفيد هنا أن نتناول الجوانب التي تتعلق صلتها بتلك النظريات، ففي كتاب "السياسة المدنية" مثلاً إذا أخذنا المعرفة الحسية فإن صلتها تكون في قوى النفس وفق ثلاثة أنواع هي: نباتية وحيوانية وإنسانية. الأولى لها قوى ثلاثة هي: غاذية ومنمًية ومولدًة. أما الثانية فتنقسم إلى محركة ومدركة، لكل منها ضربين أثنين: فالمحركة (أو النزوعية) إما أن تكون شهوانية أو غضبية. بينما المدركة إما أن تكون بالحواس الخمس الظاهرة: البصر، السمع، اللمس، الشم، الذوق، أو الباطنة وهي: الحس المشترك، المصورَة، الواهمة، الحافظة، المتخيلة، في حين تتعلق الثالثة بالمعرفة العقلية، وهي أن القوى الإنسانية إنما ترتكز على القوة الناطقة.



السعادة:                                                                                         
وهي بلوغ الإنسان استكماله الأخير، أي بلوغ مرتبة العقل المستفاد الذي يحقق للإنسان السعادة نتيجة فيض جميع المعقولات عليه، كما واعتبر ان بلوغ السعادة يتم عبر الأفعال الإرادية، بعضها أفعال فكرية وأخرى بدنية تساهم في انجاز الأفعال الايجابية التي تعزز السعادة، على عكس تلك الأفعال التي تعيق السعادة وتكمن في أفعال القبح والشر.
ويعتبر الفارابي ان فعل التعقل هو الذي يتحقق به أعظم سعادة للإنسان الناتجة عن أفعال الفضائل الإرادية، كما استنتج الفارابي ان هناك علاقة وثيقة بين الأخلاق والمعرفة العقلية، فالأفعال الإرادية الجميلة تدل على الأخلاق الجميلة وهو الأمر الضروري في صفاء النفس الإنسانية.
ويقول الفارابي أيضا ان العلم طريق للسعادة، وعليه اعتمد مذهب التصوف العلمي النظري المخالف لفهم التصوف المعروف في التقشف والحرمان من اللذات البدنية، التي هي السبيل الى السعادة حسب معتقدهم، وقد كان لأفكاره عن السعادة أهمية كبيرة عند فلاسفة القرون الوسطى وترجم العديد من كتبه الى ألاتينية في تلك الفترة .

المنامات وأسبابها:                                                                          
ان القوة المتخيلة متوسطة بين الحاسة والناطقة، وتقوم بخدمة كل شي، كما انها تقوم بخدمة القوة النزوعية، وعند توقف نشاط هذه القوى الحاسة والناطقة اثناء النوم وتتخلى المتخيلة عن خدمتهما، فإنها تتجه الى رسوم المحسوسات المحفوظة لديها وتقوم بفعلين هما التركيب والفصل، بحيث تركب بعض الأجزاء وتفصل بعضها ويرافقها في ذلك المحاكاة التي تقوم عن طريق رسوم المحسوسات المحفوظة لديها بتشكيل الحلم اثناء النوم.

اي تعمل المخيلة في فصل بعض الصور المحفوظة عندها، أو تقوم بتركيب صوراً إلى بعضها، ولذلك يكون في المنام أحلام، لأن الإحساس يحاكي قوة الخيال، فإذا أحس جسم النائم بالرطوبة مثلاً، فإن الحلم يكون عن المياه أو السباحة أو وفق ما يتعلق بذلك الشيء، وكلما كانت هذه العوارض في المخيلة ذات قوة وسيطرة على الواقع فإن الأشياء المتخيلة تكون أكثر واقعية، وكذلك القول عن الوهم الذي يدرك فيه الكائن الحي ما لا يُحسَ، كما في إدراك النعجة مثلاً، حيث تحس إن الذئب عدوها فتهرب منه من غير أن يكون لها تجربة أولية تعي فيه هذا الخطر، ولكنها تُحسَ ما لا يُحسَ بمعناه. أما الذاكرة فهي خازنة الوهم وحافظة صور الأشياء.
وتجدر الإشارة أيضا الى ان الفارابي قد قال بوظيفة الأحلام الهامة في التنفيس عن الدوافع والرغبات وهي الفكرة التي اهتم بها سيجموند فرويد في التحليل النفسي للأحلام كما تأثر ابن سينا في أرائه في تفسير الأحلام.

الوحي:                                                                                       
هو تقبل المتخيلة من العقل الفعال أشياء لها وجود بالفعل عبر محاكاتها بما يتناسب مع محسوساتها وهي أعلى مراتب القوة المتخيلة ولا يصلها إلا الأنبياء، وقد وضح الفارابي بين الهوس والوحي واعتبر ان الهوس هو تخيل أمور ليس لها وجود بالفعل، ليتفق في ذلك مع علماء النفس المحدثين، كما اعتبر ان للناس فروق تميزهم عن بعضهم البعض وقدرات مختلفة وثقافات مختلفة يتم تخزين المحسوسات من خلالها عند كل فرد. 

______________________________________________________________
ملخص من المرجع المقرر للمساق:
 نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.


هناك تعليقان (2):