الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

د. لؤي زعول نصوص نفسية (الكندي)

جامعة الخليل
         د. لؤي زعول                                  نصوص نفسية عند علماء المسلمين
(دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملخص محاضرات رقم ( 2 )
الكنــدي (شهرته و ميلاده):                                                            
·        هو أبو يوسف بن اسحق الكندي، ويرجع لقبه إلى انتسابه إلى قبيلة كندة  ببلاد اليمن.
·        كان أجداده ملوكا على كندة.
·        أبوه اسحق بن الصباح أميرا على الكوفة في زمن المهدي والرشيد.
·        ولد الكندي في الكوفة
·        تاريخ ميلاده غير معروف على وجه الدقة.
·        على الأرجح ولد في 185هـ ( 801م).
حياته ووفاته:
·        قضى الكندي طفولته في الكوفة وتلقى علومه فيها .
·        انتقل إلى بغداد ودرس الأدب وعلوم الفلسفة.
·        نبغ في علوم الفلسفة وألف فيها الكثير من الكتب والرسائل.
·        كان من المناصرين لحركة ترجمة الكتب اليونانية إلى اللغة العربية.
·        كان يقوم بتهذيب بعض الترجمات التي كان يقوم بها المترجمون.
·        كان أول عربي مسلم اشتغل بالفلسفة وأتقن علومها ولذلك سمي بفيلسوف العرب.
·        قال المؤرخ الإسلامي القفطي عنه أنه فيلسوف العرب، كما قال ابن نباتة في شرحه لرسالة ابن زيدون إنه فيلسوف الإسلام.
·        عمل طبيبا ومنجماً للخليفة في عهد المأمون والمعتصم والواثق الذين كانوا يؤيدون مذهب الاعتزال ( المعتزلة: هي فرقة إسلامية تنتسب إلى واصل بن عطاء الغزال، تميزت بتقديم العقل على النقل، وبالأصول الخمسة التي تعتبر قاسما مشتركا بين جميع فرقها)، وكان له علاقة حسنة بقصر الخلافة.
·        فقد مكانته في قصر الخلافة حينما عادت الخلافة إلى مذهب أهل السنة في عهد الخليفة المتوكل.
·        عاش الكندي بعد ذلك في بغداد بعيدا عن الأضواء ومنعزلا عن الناس بقية حياته.
·        اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وفاته ويرجح أنه مات في أواخر سنـة (252هـ) (866م).

 مؤلفاته:                                                                              
·     ترك الكندي مؤلفات كثيرة، معظمها رسائل صغيرة وقد فُقد منها الكثير ولم يبق منها إلا القليل المبعثر بين مكتبات العالم.
·     كان الكندي شديد الذكاء واسع الإطلاع وكان موسوعياً في تأليفه، وألف الكثير من أنواع المعارف التي كانت سائدة في عصره.
·     يذكر ابن النذير المؤرخ الإسلامي وكذلك القفطي انه له (238) رسالة وهي مؤلفات صغيرة لا تتجاوز عشر ورقات.
·     تأثر الكندي في أرائه في النفس بآراء أرسطو وأفلاطون وأفلوطين المعروف بالشيخ اليوناني في المصادر العربية وهو صاحب كتاب الربوبية والمدافع الأبرز عن الأفلاطونية.
·     كان الكندي يقدر أرسطو بشدة واهتم كثيرا بتلخيص آرائه.
·     خالف أرسطو في  كثير من المسائل الفلسفية وكان أكثر ميلا لأفلاطون وأفلوطين.
·     على الرغم من تأثره بالفلسفة اليونانية التي تتسم في عمومها بالفكر الإلحادي والأفلاطونية الحديثة إلا انه بقى أمينا على الشريعة الإسلامية، مثال على ذلك انه قال "أن الحقيقة المنزلة تفوق الحكمة الإنسانية مرتبة، كما قال ان الأنبياء الذي ينطقون باسم الله والذين هم حملة العلم الإلهي يفوقون سائر البشر".
·     حاول الكندي إظهار أوجه التقارب بين الفلسفة والدين الإسلامي، وإبعاد شقة الخلاف بينهم، باعتبار أن غاية الفلسفة والدين واحدة وهي: معرفة الحقيقة التي تتعلق بالظواهر الكونية والإنسانية على الرغم من انهما ينهجان في تحقيق ذلك منهجين مختلفين.

تعريف النفس: 25ص
·        عرف النفس بأنها: تمامية جرم (الجسم) طبيعي ذي آله قابل للحياة ( أي له أعضاء حركية يقضي بها احتياجاته ويسعى بها) أو هي: استكمال لجسم طبيعي ذي حياة بالقوة والفطرة.
·        وهذان التعريفان هما في الحقيقة تعريف واحد فالتمامية تعني استكمال او كمال، وقابل للحياة أي ذي حياة بالقوة.
·        تعريف للكندي للنفس مأخوذ من أرسطو.
·        قوله إن النفس هي تمامية أو استكمال يعني: أن بها يكمل الجنس البشري فيصبح نوعا يميزه عن سائر المخلوقات الأخرى. (أي ان بها يكمل الجرم الطبيعي فيصبح إنسانا) ويعني بجرم طبيعي هو: جسم طبيعي هبة من الخالق عز وجل وليس صناعي.
·        ومعني (ذي آلة) أنه يقوم بأفعاله بواسطة آلات هي أعضاء الإنسان المختلفة.
·        ويعني ( قابل للحياة ) و(ذي حياة بالقوة ) أن فيه استعداد للحياة.
·        بجانب التعريف الأرسطي كان للكندي تعريف آخر للنفس يبدو من خلاله تأثره بأفلاطون وأفلوطين فهو يعرفها بأنها "بسيطة ذات شرف وكمال، عظيمة الشأن، جوهرها من جوهر الباري عز وجل مثل ضياء الشمس من الشمس" (أي مرتبطة بخالقها كما يرتبط الضياء من الشمس) والنفس التي يعرفها الكندي هي النفس الناطقة.
·        يقول عنها أيضا أن جوهرها جوهر إلهي رباني هي من نور الباري عز وجل (إنها من جوهر بسيط غير فان، هبط من عالم العقل (الغيب) إلى عالم الحس (الشهادة) ولكنها مزودة بذكرى (تتمتع بالذاكرة) حياتها السابقة وهي لا تطمئن في هذا العالم، لأن لها حاجات ومطالب يحول دون إرضائها الحوائل فيكون ذلك مصحوبا بالآلام، والنفس باقية بعد الموت وهي تنتقل بعد الموت إلى عالم الحق الذي فيه نور الباري عز وجل وهو مستقرها الأبدي، وتصبح فيه قريبة الشبة من الباري عز وجل ويصبح في قدرتها أن تعلم سائر الأشياء، وتعلم كل ظاهر وخفي وتقف على كل سر وعلانية ويستشهد الكندي في ذلك بالآية الكريمة " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد".

قوى النفس:                                                                  
·        نلاحظ في كلام الكندي خلطا عن قوى النفس بين رأي أفلاطون وأرسطو دون تمييز أرائهما.
·        أفلاطون ذهب إلى خلود النفس بعد فناء البدن وقسمها الى ثلاث قوى:
-        الشهوانية.
-        الغضبية.
-        العاقلة.
·        أما أرسطو اعتبرها صورة الجسم وتفنى بفناء البدن، وقسمها الى:
-        النفس النباتية ووظيفتها التغذي والنمو والتوليد ( الانجاب).
-        النفس الحيوانية ووظيفتها الحس والتخيل والحركة بالإضافة إلى وظائف النفس النباتية.
-        النفس العاقلة وهي تختص بالإنسان دون غيره من الكائنات.
·        أما الكندي يتبنى تقسيم أفلاطون الثلاثي للنفس ( شهوانية، غضبية، عاقلة ).
وأحيانا أخرى يجمع الكندي بين رأيي أفلاطون وأرسطو فيقول للنفس قوتين متباعدتين (الحسية والعقلية) وإن لها قوى أخرى متوسطة بين الحس والعقل هما: المصوِرة والغاذية والنامية والغضبية والشهوانية.



شرح القوى عند الكندي: 27ص

1-  القوة الحاسة: وتدرك صور المحسوسات الخارجية المتعلقة بمادتها وآلات هذه القوى هي أعضاء الحس الخارجية الخمسة.
2- القوى المتوسطة: وهي تتألف من عدد من القوى:
أ‌-     القوة المصوِرة: (أي المتخيلة) وهي التي تدرك صور المحسوسات مجردة عن مادتها (مثل الصور الفوتوغرافية التي هي مجردة من جسم الإنسان ولحمه ودمه)، وتسترجعها في غيبة محسوساتها الخارجية (يستطيع الإنسان أن يصفها في حال غيابها). وتستطيع هذه القوة أن تركب صور المحسوسات بعضها إلى بعض سواء في اليقظة او في المنام أثناء الأحلام (كأن تُكوِن مثلاً حصان له أجنحة أو إنسان له ريش أو حيوان يتكلم).
ب‌-القوة الحافظة: وهي القوة التي تحفظ صور المحسوسات التي تصلها من القوة المصورة.
ت‌-القوة الغضبية: وهي القوة التي يستخدمها الإنسان في دفع ما يؤذيه ويدافع بها عن نفسه.
ث‌-القوة الشهوانية: وهي القوة تدفع الإنسان إلى نيل ما يشتهيه، ويسعى من خلالها إلى إدراك المتعة واللذة.
ج‌-  القوة الغاذية: وهي القوة التي يتم بها تحصيل الغذاء وتمثيله من خلال تحويله الى طاقة في الجسم.
ح‌-  القوة المنمية (النامية): وهي القوة التي تقوم بوظيفة النمو.

 ويذهب الكندي على ان مركز هذه القوة النفسانية في الدماغ (المخ) خلافا لما ذهب إليه أرسطو الذي جعل مركز هذه القوى في القلب.

3-   القوة العاقلة:
وهي القوة التي تدرك المعقولات المجردة وهي:
العقل:                                                                           
·        القوة العاقلة تدرك الصور المعقولة المجردة من المادة، أي تدرك الكليات ( التعميمات) مثل: الأنواع او الأجناس.
·        وتناول الكندي موضوع العقل ومراحل عملية الإدراك العقلي في رسالته المشهورة في العقل والتي لخص فيها آراء أفلاطون وأفلوطين وأرسطو.
·        وقد اختلف كلام الكندي في العقل عن كلام ارسطو فقد ذهب أرسطو إلى ثلاثة انواع للعقل بينما نرى ان الكندي تحدث عن اربعة أنواع فقد أضاف عقلا رابعا وهو العقل الظاهر، ويبدو أنه من ابتكار الكندي.

يميز الكندي بين اربعة وجوه للعقل وهي:                                             
1-  العقل الذي هو خالق الفعل دائما وسبب جميع العقول والمعقولات: وقد اختلف المؤرخون في تعريفه فبعضهم من قال انه عقل مفارق للنفس وهو الله تعالى أو العقل الأول المخلوق  وقال بعضهم انه في النفس وليس مفارقا وهو ليس سوى الكليات في النفس.
2-  العقل بالقوة: هو عبارة عن الاستعداد الموجود في الإنسان ( بالفطرة ) لإدراك المعقولات.
3-  العقل الذي خرج في النفس من القوة إلى الفعل: فعندما تدرك النفس المعقولات المجردة والكليات، فإنها تتحد بها وتصبح المعقولات والعقل شيئا واحدا وعند ذلك يتحول العقل من القوة إلى الفعل.
4-  العقل الظاهر: فإذا كان العقل مستغرقا في إدراك المعقولات او يقوم بأدائه من خلال سلوكياته وافعاله التي تتسم بالتعقل إلى الغير، فإنه يسمى حينئذ العقل الظاهر، بمعنى انه يصبح ظاهرا بذاته من جهة وظاهرا للملأ من جهة اخرى.

نظرية المعرفة:                                                                      
·        يذهب الكندي على ان المعرفة على نوعين: (حسية وعقلية) فالمعرفة الحسية: تقف عند ظواهر الأشياء فقط ولا تتعداها وتوجد لدى كل من الانسان والحيوان، أما المعرفة العقلية: فتنفذ على جواهر الأشياء وهي خاصة بالانسان وحده.
·        يرى الكندي أن انشغال الانسان بالأمور الشهوانية والغضبية والتمتع بملذات الحياة الدنيوية، يعوق النفس عن الوصول إلى المعرفة الحقيقة، حيث يقول الكندي عن النفس الناطقة " جوهرها كجوهر الباري عز وجل في قوتها / إذا تجردت / أن تعلم سائر الأشياء كما يعلم الباري بها او دون ذلك برتبه يسيرة، أنها أودعت من نور الباري عز وجل.
·        يرى الكندي ان التجرد من الشهوات والملذات الدنيوية ليس بهدف الحصول على المعرفة الحقيقة بل النظر أيضا في حقائق الأشياء والبحث فيها.
·        فالمعرفة بحقائق الأشياء بوجهة نظر الكندي لا تكتسب عن طريق الحواس، وانما تأتي عن طريق الفيض من الله سبحانه وتعالى، والسبيل إلى ذلك تطهير النفس من شوائب الحياة المادية ودنس الشهوات الدنيوية والانشغال بالنظر في حقائق الأشياء حتى تصبح مهيئة لاستقبال المعرفة من الباري عز وجل.

النوم والرؤيا:                                                                         
أ - النوم:
·      يتناول الكندي موضوع النوم والرؤيا في رسالته الهامة " في ماهية النوم والرؤيا".
·      يعرف النوم بانه " ترك استعمال النفس للحواس جميعا " فإذا لم ننظر ولم نسمع ولم نذق ولم نشم ولم نلمس بدون مرض عارض ونحن على طباعنا فنحن نيام".
·      إذا امتنع الإنسان عن استخدام حواسه والحركة واظلم المكان الذي حوله وأبعد عنه الأصوات ينتهي به الأمر إلى ان ينام.
·      أن النوم عند الكندي عبارة عن تفكير عميق لا تستخدم النفس فيه الحواس الخارجية.
·      النفس عند الكندي لا تنام البتة إنما هي علامة يقظة.
·      النوم لدى الكندي له فوائد كثيرة للإنسان والحيوان، فإنه يؤدي على سكون الأعضاء عن الحركة، وتفريغ لعمليات الهضم الآلة الهاضمة للهضم، وإفادة البدن بالغذاء خلفاً من كل ما سال وتحلل منه بالتعب.

ب-  الرؤيا:
·        يعرف الكندي الرؤيا بأنها" استعمال النفس الفكر، ورفع استعمال الحواس عنها".
·        يرجع الكندي الرؤيا إلى القوة المصورة أو قوة التخيل وهي القوة التي تدرك صور المحسوسات مجردة عن مادتها وهي تؤدي عملها في حالة النوم واليقظة معا.
·        فكل ما يقع عليه الفكر في حالة اليقظة تنطبع صورته في القوة المصورة، وبقدر استغراق الإنسان في الفكر وتركه للحواس، تكون تلك الصور أظهر حتى كأنه يشاهدها بحسه.
·        إذا استغرق الإنسان في نومه وتوقف استعماله للحواس فكل ما يقع عليه الفكر أثناء النوم، فإن صورته تنطبع في القوة المصورة، وتكون هذه الصورة الحسية أظهر فعلاً وأقوى منها في اليقظة، وتنشأ عنها الرؤى والأحلام.


 أنواع الرؤيا:                                                                  
يذكر الكندي أربع أنواع من الرؤى ويفسر أسباب حدوث كل منها:
·    الرؤية التنبئية: وهي التي يُرى فيها الإنسان أشياء قبل حدوثها.
·    الرؤية الرمزية: وهي التي يُرى فيها الإنسان أشياء تدل على أشياء أخرى أي ترمز لأشياء أخرى.
·    الرؤية التي تدل الأشياء فيها على أضدادها: وهي التي يُرى فيها الإنسان أشياء تدل على أشياء أخرى أي ترمز لأشياء أخرى.
·    الرؤية التي لا يصدق شئ مما يراه النائم فيها: وهي التي يُرى فيها الإنسان خزعبلات وخرافات وأضغاث أحلام من خلال سلوكياته وأفعاله التي تتسم بالتعقل.

تفسير الرؤى عند الكندي:                                   
·        يرجع الكندي اختلاف أنواع الرؤى إلى اختلاف تهيؤ القوة المصورة لقبول الصور الحسية التي تمثل معارف النفس، فالنفس علامة يقظة حية (أي تعلم كل الحقائق عن ما يحدث لها في المستقبل) وان جميع الأشياء الحسية والعقلية موجودة فيها.
·        يقول الكندي إذا كانت القوة المصورة تامة التهيؤ لقبول تلك المعارف الموجودة في النفس فإن الرؤيا تكون معبرة عن الأشياء قبل وقوعها.
·        اما إذا كانت النفس اقل تقبلا لقبول الصور الحسية التي تمثل معارف النفس فإن النفس عندئذ تحتال بان تنبئ عن الشئ برمزه، فتنبئ عن السفر على سبيل المثال بانتقال الإنسان على أية وسيلة من وسائل السفر.
·        اما إذا كانت القوة المصورة أضعف من ان تقبل الرمز الصادق مثل الرمز المذكور سابقا وهو (ركب في منامه احد وسائل السفر)  
·        كانت الرؤيا تدل على شئ ضد ما يرى النائم فقد يرى فردا ما قد مات وهو طويل العمر.
·        أما إذا كانت القوة المصورة لا تقبل اي شئ مما تقدم، كانت الرؤيا غير منظمة وخليط غامض وهي التي تسمى أضغاث أحلام، وهي الرؤيا التي لا يصدق أشياء منها.

 علاج الحزن:                                                                   
·        للكندي رسالة  بعنوان " في الحيلة لدفع الأحزان" تحدث فيها عن علاج الحزن يعرف الحزن فيها ويوضح أسبابه، ويذكر بها بعض الأساليب للتغلب عليه.
·        يعرف الكندي الحزن بأنه " الم نفساني يعرض لفقد المحبوبات والمطلوبات" فالإنسان الذي يجعل مطلوباته ومحبوباته من الأشياء الحسية الموجودة في العالم الحس(الدنيا)، فأنه يكون عرضه للشعور بالألم والحزن لأن المحبوبات والمطلوبات الحسية عرضة للفساد والزوال.
·        أما المحبوبات والمطلوبات العقلية التي تتعلق بالغيب والآخرة فدائمة وثابتة، فهي لا تفسد ولا تفوت، ولذا يرى الكندي إذا اراد الانسان ان يكون سعيدا وان يقي نفسه آلام الحزن، فعليه ان يجعل محبوباته ومطلوباته من العالم العقلي.
·        يقول الكندي "ان الانسان دائما معرض لفقد المحبوب وفوت المطلوب، فإذا حزن لذلك فإنه سوف يكون دائم الحزن " فينبغي إذن ألا نحزن على الفائتات، ولا فقد المحبوبات وأن نجعل انفسنا بالعادة الجميلة راضية بكل حال لنكون مسرورين أبدا ".
·        كما ويرى الكندي انه من الواجب علينا ان نهتم بدفع هذه الألام النفسانية عنا مثلما نهتم بدفع الألام الجسمانية، حيث يقول الكندي " فإصلاح النفس وشفاؤها من أسقامها اوجب كثيرا علينا من إصلاح أجسامنا، فأننا بأنفسنا نحن، ما نحن لا بأجسامنا،،، وأجسامنا آلات لنفسنا تطهر بها أفعالها فإصلاح ذواتنا اولى كثير من إصلاح آلاتنا".
·        وينصح الكندي ان يتم إصلاح النفس وعلاجها من آلام النفس على التدريج، بأن نلزم أنفسنا بالقيام بالعادة المحمودة في الأمور السهلة أولا، ثم نتدرج بها على الالتزام بالعادة المحمودة في الأمور الصعبة، ثم يستمر هذا التدريج بعد ذلك في الأمور التي هي غاية في الصعوبة.
·        يسبق الكندي في هذا الرأي علماء النفس المحدثين في القول بمبدأ هام من مبادئ التعلم وهو مبدأ التدرج في تعلم العادات الصعبة، وقد استخدم هذا الأسلوب بعض المعالجين النفسين المحدثين في التخلص من بعض الاضطرابات والعادات السيئة وفي علاج القلق أيضا.


 أساليب الكندي في التخلص من الحزن: 
يذكر الكندي بعض الأساليب في التخلص من الحزن وهي ان نفكر في الحزن ونقسمه على نوعين وهي:
1-  انه يحدث نتيجة فعل ما نقوم به، وعلاجه يمكن عبر التخلص منه بتجنب القيام بهذا الفعل.
2-  يحدث نتيجة فعل يقوم به غيرنا، فينبغي علينا الا نحزن قبل حدوث هذا الفعل فإذا وقع هذا الحزن وأدى الى حزننا فمن الواجب أن نجتهد في الحيلة للتلطف وتقصير مدة الحزن، فإننا ان قصرنا في حزننا، كنا مقصرين في مهمة دفع البلاء الذي يمكننا دفعه.

ومن الأساليب الأخرى التي يقول بها الكندي لدفع الحزن ان نتذكر الامور التي سببت لنا الحزن ولغيرنا في الماضي وما آلت إليه من السلوى ( أي إدراك الحكمة الإلهية والتسليم بها)، فإن ذلك يمدنا بقوة عظيمة على السلوى عما يحزننا في الوقت الحاضر.

الكندي رائدا للعلاج النفساني السلوكي:
·        من الملاحظ ان الأساليب التي اتبعها الكندي في علاج الحزن هو التعريف بأسبابه، وبيان أنها ليست أسباب في الحقيقة جديرة بان تسبب الحزن، وبالتالي لا ينبغي على الإنسان ان يحزن بسببها .
·        يعتمد الكندي في علاج الحزن على تعريف وتوعية الناس وتعليمهم بحقيقة أسباب الحزن وتزويدهم بالمعرفة التي تساعدهم في التخلص منه او على الأقل التخفيف من حدته.
·        ولهذه الاعتبارات السابقة يعتبر الكندي بحق رائدا للعلاج النفساني السلوكي المعرفي الحديث.

السعادة:
السعادة برأي الكندي لم تكن في الحصول على المحبوبات والمطلوبات الحسية الدنيوية الزائلة وإنما هي في الحصول على المحبوبات والمطلوبات العقلية وذلك فيما يلي:
-        البحث والتفكير والتمييز ومعرفة حقائق الأشياء.
-        ليست اللذة الحقيقة في حصول الإنسان على اللذات الدنيوية الزائلة، وإنما هي اللذات الإلهية الروحية التي تحصل للإنسان إذا تطهر من دنس الشهوات والملذات الحسية واقترب من الله سبحانه وتعالى فأفاض عليه من نوره ورحمته فيشعر حينئذ بلذة تفوق كل لذة.


_______________________________________________________________
ملخص من المرجع المقرر للمساق:
 نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق