الاثنين، 14 ديسمبر 2015

د. لؤي زعول / ابو بكر ابن الطفيل / نصوص نفسية عند علماء المسلمين

جامعة الخليل
           د. لؤي زعول                                            نصوص نفسية عند علماء المسلمين
   (دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن طفيل (1100م -1185م )
حياته: 
·        هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي
·        عربي من بني قيس عيلان بن مضر، وينسب أيضاً فيقال: الأندلسي والقرطبي والإشبيلي ويكنّى بأبي جعفر.
·        هو فيلسوف ومفكراً وفيزيائي وقاض أندلسي وطبيباً وفلكياً ومن تلاميذه ابن باجه وابن رشد.
·         ولد في وادي آشن، على مسافة 53 كم في الشمال الشرقي من قرطبة، ثم تعلم الطب في غرناطة وخدم حاكمها.
·        كان حريصا على الجمع بين الشريعة  والحكمة.
·        انتقده طالبه ابن رشد في رأي التوحيد بين العقل الهولاني والقوة المتخيلة، في حين انتقد ابن الطفيل، ابن باجة في حبه للمال وانشغاله بالدنيا، مع الاشادة بفضله الكبير في موضوع اخرى، كما ابن الطفيل الفارابي بصفه انه كثير الشكوك والاضطراب في ارائه.
·        كما اشاد بالغزالي الذي اعتبره من الذين وصلو الى السعادة القصوى والمواصيل الشريفة.
·        توفي في مدينة مراكش، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته.

مؤلفاته:
له العديد من المؤلفات واسهاماته منها في الطب والفلك والنفس والفلسفة غير انه لم يصلنا منها الا القليل، كما ذكر ابن أبي أصيبعة أنه كان بين ابن الطفيل وابن رشد مراجعات ومباحث في "رسم الدواء" جمعها ابن رشد في كتابه "الكليات"، كما كانت لابن طفيل أرجوزة في الطب تتألف من 7700 بيت. ويقال إن ابن طفيل كانت له آراء مبتكرة في الفلك ونظريات في تركيب الأجرام السماوية وحركاتها.
يقول الباحث ليون غوتيه في كتابه عن ابن طفيل : على الرغم من عدم وجود أي شيء مكتوب عن الفلك، باستثناء بعض الفقرات القصيرة في كتاب حي ابن يقظان، فإننا نعرف أن ابن طفيل لم يكن راضياً عن النظام الفلكي الذي وضعه بطليموس، وأنه فكر في نظام جديد. واستشهد الكاتب على ذلك بما كتبه كل من ابن رشد والبطروجي. فابن رشد في شرحه الأوسط لِـ "الآثار العلوية" لأرسطو، انتقد بدوره فرضيات بطليموس عن تكوين الأفلاك وحركاتها، وقال إن ابن طفيل يتوفر في هذا المجال على نظريات رائعة يمكن الاستفادة منها كثيراً. كما أن البطروجي في مقدمة كتابه الشهير عن الفلك، ذكر أن ابن طفيل أوجد نظاماً فلكياً ومبادئ لحركاته، غير تلك المبادئ التي وضعها بطليموس. ويتساءل الباحث الفرنسي عن احتمال أن تكون فرضيات ابن طفيل تشتمل على بعض العناصر الأساس من الإصلاح الفلكي العظيم الذي جاء به كوبرنيك وجاليلي بعد أربعة قرون.
لم يصلنا من مؤلفاته الا القليل وقصة "حي بن يقظان" وهي قصة فلسفية صوفية ترجمة الى العديد من اللغات منها واللاتينية والاسبانية و الفرنسية وغيرها وهذا دليل علة قوة وقدرة ابن الطفيل العلمية.

ملخص قصة حي بن يقظان:
اسطورة عربية تحكي قصة طفل وليد، وضعته أمه في تابوت وقذفت به في البحر، خوفاً من بطش ملك الجزيرة التي تعيش فيها، فقذفته الامواج الى شاطئ جزيرة منعزلة عن المجتمع الانساني، ولا يعيش فيها احد من البشر، فحنت على الوليد ظبية، فقامت بإرضاعه وتولت أمر تربيته، نشأ حي بن يقظان وحيداً في جزيرة، وتعلم كثيرا من الامور المعينة على الحياة، فتعلم صناهة الكساء والبناء وصناعة الرماح واستخدام النار وعلاقته مع المحيط وتدبير امره،،، الخ، وبهذه القصة عرض ابن الطفيل مذهبه الفلسفي الذي اشتهر به، وقد سبقه بذلك وتشابه معه الفيلسوف ابن سينا الذي تحدث ايضا عن قصة حي بن يقظان، التي تحكي قصة رجل شيخ مهيب خرج سائحاً من بيت المقدس ليشاهد عجائب صنع الله عز وجل، ويرمز حي بن يقظان الى العقل الفاعل الذي يهدي الانسان الى معرفة الحقائق العقلية العليا والأفلاك السماوية، التي يصل اليها الانسان عبر المعرفة العقلية وهو العقل الفاعل.

النفس:
ان النفس في الحيوان والإنسان عند ابن الطفيل، وهي روح حيواني مركزه الاساسي في القلب، وهو سبب حياة الحيوان والإنسان وأفعالهما المختلفة، وينبعث الروح الحيواني عن طريق الاعصاب من القلب الى الدماغ، ومن الدماغ الى جميع أعضاء الجسم، وهو الذي به تتم جميع افعال اعضاء الجسم. ومع ان اعضاء الانسان المختلفة يقوم كل منها بفعل خاص مختلف عن غيره، إلا ان أفعالعا جميعاً تصدر عن روح واحد، وهي حقيقة الذات، وسائر الاعضاء كلها كالالات.

النفس النباتية:
لها وظائف تشترك فيها جميع انواع النباتات، سواء بالتعذي او النمو.

القوة الحيوانية :
تقوم النفس الحيوانية على الافعال الخاصة بالنفس النباتية، وهي الاغتذاء والنمو، وتزيد عليها افعال الحس والادراك والحركة الارادية.

القوة الحاسة:
 يدركها كل من الانسان والحيوان وهي الحواس خمس:
-       السمع وهي التي يدرك بها المسموعات.
-       البصر التي يدرك بها الالوان.
-       الشم هي التي يدرك بها الروائح.
-       اللمس وهي التي يدرك بها الصلابة واللين.
-       الذوق وهي التي يدرك بها الطعوم.

القوة الخيالية:
هي القوة التي يستطيع بها الانسان استحضار صور المحسوسات بعد غيابها عن الحواس.

القوة النزوعية:
النزوع: هي الدافعية التي توجة الانسان نحو سد حاجاته البدنية مما تدعو اليه الضرورة في بقائه. وهذه امران (احدهما ما يمده من الداخل، ويخلف علية بدل ما يتحلل منه، وهو الغذاء والاخر: ما يقيه من خارج، ويدفع عنه وجوه الاذى من البرد والحر والمطر ولفح الشمس والحيوانات المؤذية نحو ذلك) اي القيام بإشباع هذه الحاجات لحفظ حياته وبقاء نوعه.

النفس الناطقة:
هي النفس التي يتميز بها الانسان عن الحيوان، وهي القوة التي تتصفح أشخاص الموجودات المحسوسة وتقتنص منها المعنى الكلي، وهي القوة الناطقة التي يدرك بها الانسان وجود الخالق لهذا العالم البديع الصنع، وهذه القوة ( امر رباني الهي لا يستحيل ولا يلحقه الفساد، ولا يوصف بشيء مما نوصف به الاجسام، ولا يدرك بشيء من الحواس، ولا يتخيل، ولا يتوصل الى معرفة بالة سواه، بل يتوصل اليه به،  فهو العارف والمعروف،  ومن العالم والمعلوم والعلم).

نظرية المعرفة:
يتضح لنا من قصة حي ابن يقظان لابن الطفيل ان للمعرفة طريقين:
1-   طريق صاعد: من الحس والمشاهدة والتجربة، متدرجة الى البحث والنظر العقلي القائم على الاستنتاج والاستنباط، حتى ينتهي الى معرفة وجوب الوجود، الله سبحانه وتعالى خالق الكون، وكل ما فيه من موجودات، وهي حسب ابن الطفيل الخطوة الاولى للمعرفة، لكنها ليست كافيه لحدوث الاشراق ومشاهدة الحق جل جلاله.
2-  طريق التصوف: وهو طريق هابط تفيض فيه المعرفة من الله سبحانه وتعالى على الانبياء ورسله والاولياء الصالحين، وهي التي تكمل الاولى للوصول الى المعرفة عن طرق الكشف الصوفي، او عن طريق الوحي.
وقد بدأ ابن يقظان في سلوك هذا الطريق بالرياضة الروحية ملزما نفسه بالاستمرار بالتفكير في واجب الوجود مجردا نفسه من كل المحسوسات والقوة الجسملنية المختلفة، حتى توصل الى الواحد الحق والموجود الثابت بقوله ( لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار!) ففهم كلامه وسمع نداءه ولم يمنعه عن فهمه كونه لا يعرف الكلام ولا يتكلم.

السعادة:
ان السعادة العظمى عند ابن طفيل هي في مشاهدة واجب الوجود، خالق الموجودات، الله سبحانه وتعالى، وان الطريق الذي يسلكه الانسان لاستمرار السعادة هي دوام المشاهدة، عبر الالتزام بالتفكير في الوجود، والابتعاد عن جميع المحسوسات التي تأثر على الانسان بسبب الجوع والعطش وابرد والحر التي تحجب المشاهدة، وتقوي النفس الدنيوية. واذا سعدت النفس الانسانية باتصالها بالله في الدنيا ثم فارقت البدن وهي على هذا الاتصال استمرت في سعادة دائما، أما من وافته المنية وهو محروم من مشاهدة الله تعالى بقي في عذاب وآلام دائم.






__________________________________________________________

ملخص من المرجع المقرر للمساق:
 نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.


الأحد، 13 ديسمبر 2015

د. لؤي زعول / محاضرات احمد ابن تيمية نصوص نفسية جامعة الخليل


جامعة الخليل
           د. لؤي زعول                                        نصوص نفسية عند علماء المسلمين
   (دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 محاضرات
احمد ابن تيمية (661ه- 728ه)
حياته:
·       هو احمد تقي الدين بن تيمية الملقب بشيخ الاسلام.
·        وهو سليل اسرة كريمة اشتهرت بالعلم والدين.
·        ولد بحران وعاش فيها بضع سنين ثم انتقل مع اسرته الى دمشق سنة 667 ه عندما اغار التتار على حران.
·        درس اصول الفقه والحديث وعلوم العربية، والتفسير، واصول الدين، المنطق، والتصوف، والفلسفة، وكان يحضر رغم صغر سنه مجالس التدريس عند والده المشتغل بالتدريس وغيره من العلماء.
·        اشتهر ابن تيمية بسرعه الحفظ وقوة الذاكرة، وشهد له بذلك اساتذته وتلاميذه.
·        ولم يكتف ابن تيمية بحث الناس والسلطان وتحريضهم على محاربة التتار، بل اشترك هو نفسه في حربهم في واقعة "شقجب" التي انتصر فيها المسلمون انتصارا عظيماً.
·       كان يرى ابن تيمية مثل ابن حزم الاندلسي ان مصدر كل حقيقة دينية هو القران والحديث"
·       تم سجن ابن تيمية اكثر من مرة بسبب رأيه الفقهي وتزايد شهرته التي اثارت خصومه، فاخذوا يكيدون له لدى السلطان، توفي في السجن سنة، ومن بين فتواه بان السفر لأضرحة الاولياء غير مشروع بسبب قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والاقصى ومسجدي هذا"

مؤلفاته:
لابن تيمية مؤلفات كثيرة، تزيد عن 500 مؤلف، يهمنا منها ما تناول علم النفس وهي:
1-  رسالة في العقل والروح          2- العبودية
3-  فصل في مرض القلوب وشفائها / مجلد علم السلوك.

النفس والروح والعقل:
يذهب ابن تيميه الى ان النفس ليست مركبة من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة، وهي ليست جسماً، وانها قائمة بنفسها تبقى بعد فراق البدن بالموت.
ويرى ابن تيمية ان لفظ "الروح" يستخدم ايضا بمعنى النفس. يقول:" والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت.
ويذكر ابن تيمي ان للفظ الروح والنفس عدة معان:
1-  فيراد بالروح الهواء الخارج من البدن والهواء الداخل فيه.
2-  ويراد بالروح البخار الخارج من تجويف القلب والساري في العروق، وهو الذي يسميه الاطباء الروح الحيواني.
3- ويراد "بنفس" الشئ ذاته وعينه، كما في قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة)
4- ويراد بالنفس الدم الذي يكون في الحيوان، كقول الفقهاء :"ماله نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة"
5- ويراد بالنفس ايضا صفاتها المذمومة، او النفس المتبعة لهواها.
ويقول ابن تيمية ان لفظى النفس والعقل عند الفلاسفة انما يدلان على شيء واحد، فهم يستخدمون لفظ النفس من حيث هي مدبرة للبدن، "فاذا فارقت سموها عقلا لان العقل عندهم هو المجرد عن المادة وعن علائق المادة، واما النفس فهي المتعلقة بالبدن تعلق التدبير والتصريف".
ان العقل عند ابن تيمية ليس شيئا بذاته، وانما هو قائم في العاقل، يقول:"العقل في كتاب الله وسنة رسوله وكلام الصحابة والتابعين وسائر أئمة المسلمين وهو امر يقوم بالعاقل، سواء سمي عرضا او صفة، ليس هو عيناً قائمة بنفسها، سواء سمي جوهرا او جسما، وانما يوجد التعبير باسم العقل عن الذات العاقلة التي هي جوهر قائم بنفسه.
ويقول ابن تيمية ايضا:" ثم من الناس من يقول: العقل هو علوم ضرورية ، ومنهم من يقول العقل هو العمل بموجب تلك العلوم، والصحيح ان اسم العقل يتناول هذا وهذا.

اما فيما يتعلق اين مسكن النفس، او الروح من الجسد، يقول ابن تيمية :"فلا اختصاص للروح بشيء من الجسد،  بل هي سارية في الجسد كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد، فان الحياة مشروطة بالروح،  فاذا الروح في الجسد كان فيه حياة، واذا فارقته الروح فارقته الحياة"
وفيما يتعلق اين مسكن العقل فيه، فيقول ابن تيمية: "فالعقل قائم بنفس الانسان التي تعقل، واما البدن فهو متعلق بقلبه كما قال الله تعالى: (افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها..) وقيل لابن عباس : بماذا نلت العلم ؟ قال: "بلسان سؤول وقلب عقول".

قوى النفس واحوالها:
يذكر ابن تيمية تقسيم الفلاسفة للنفس الى نفس نباتية محلها الكبد، وحيوانيه محلها القلب، وناطقة محلها الدماغ، ويقول: "ان ارادوا به انها ثلاثة قوى تتعلق بهذه الاعضاء فهذا مسلم، وان ارادوا انها ثلاثة اعيان قائمة بأنفسها فهذا غلط بين"

ويذكر ابن تيمية ايضا انه يقال: ان" النفوس ثلاثة انواع:
1- النفس الامارة بالسوء: التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي.
2-  النفس اللوامة: وهي التي تذنب وتتوب وتتردد بين الخير والشر فسميت لوامة.
3- النفس المطمئنة: هي التي تحب الخير والحسنات وتريده، وتبغض الشر وتكره.

حاجات الانسان ودوافعه:
اعتبر ابن تيميه ان حاجات الانسان نوعان:
1-  نوع ضروري يحتاج اليه الانسان لبقائه: مثل حاجاته الى طعامه وشرابه ومسكنه (الدوافع الفسيولوجية).
2- نوع ما لا يحتاج اليه الانسان لبقائه: ومثل الحاجات لا ينبغي ان يعلق الانسان بها قلبه، لانه ان فعل ذلك صار مستعبدا لها، كما يسميها علماء النفس المحدثون الدوافع الثانوية.

الناحية الوجدانية المصاحبة للإدراك:
من المعروف ان الادراك تصاحبه حالة وجدانية، فاذا ادركنا شيئا نحبه شعرنا بالسرور والرضا، واذا ادركنا شيئا نكرهه شعرنا بالنفور والكراهية، وقد تناول ابن تيمية هذه الناحية الوجدانية المصاحبة للإدراك اثناء تحليله لحلاوة الايمان، ويذكر ابن تيمية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل:" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان، ومن كان الله ورسوله احب اليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه الا لله، ومن كان يكره ان رجع الى الكفر يعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار"
 ثم يقول ابن تيمية تعلقا على هذا الحديث:" اخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ان من كان فيه هذه الثلاث وجد حلاوة الايمان لان وجد الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له فمن احب شيئا او اشتهاه اذا حصل مراده فانه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك واللذة امر يحصل عقب ادراك الملائم الذي هو المحبوب او ألمشتهى، وينتقد ابن تيمية الفلاسفة الذين يقولون : ان اللذة هي ادراك الملائم فهو يرى ان اللذة ليست هي ادراك الملائم وانما هي تحدث عقب ادراك الملائم يقول ابن تيمية:" ومن قال ان اللذة ادراك الملائم، كما يقوله من المتفلسفة والاطباء فقط غلط في ذلك غلظا بينا فان الادراك يتوسط بين المحبة واللذة فان الانسان مثلا يشتهي الطعام، فاذا اكله حصل له عقب ذلك اللذة، فاللذة تتبع النظر الى الشيء، فاذا نظر اليه التذ به، واللذة التي تتبع النظر ليست نفس النظر وليست هي رؤية الشيء، بل هي تحصل عقب رؤيته وهكذا جميع ما يحصل للنفس من اللذات والالام: من فرح وحزن ونحو ذلك يحصل بالشعور بالمحبوب او الشعور بالمكروه وليس نفس الشعور هو الفرح ولا الحزن"

انفعال الحب وعلاقته بالدافعية:
تناول ابن تيمية الحياة الانفعالية في الانسان وبخاصة انفعال الحب الذي يجب ان يكون لله تعال ورسوله، اذ ان حبهما هو اسمى انواع الحب الانساني، ويجب ان يكون اقوى واعلى من حب اي شيء اخر بل ان الانسان اذا احب انسانا او شيئا ما فيجب ان يكون حبه له في الله، واذا كره انسانا ما او شيئا ما فيجب ان يكون كرهه له في الله".
ويرى ابن تيمه ان الانسان اذا ذاق لذة حب الله ورسوله وعبادته انصرف قلبه بهذا الحب الصالح عن كل انواع الحب الأخرى وذاق حلاوة العبودية فأنه يقوي قلبه عبره، ويحميه من الانحرافات النفسية ويكن علاجا لها.

السلوك الظاهر والسلوك المستتر:
يعرف ابن تيمية العبادة انها اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الاقوال والاعمال الباطنه والظاهرة، وفي هذا القول اشارة واضحة الى تحليل السلوك الى سلوك باطن وسلوك ظاهر، فالسلوك الباطن هو ما يضمره الانسان من عقائد وآراء ومشاعر واحاسيس والسلوك الظاهر هو ما يقوم به الانسان من اعمال وما يصدر عنه من اقوال، ويقرب ابن تيمية في ذلك ما يقوله علماء النفس المحدثون من تحليل السلوك الانساني الى ظاهر ومستتر، وفي رأي ابن تيمية ان العبادة الحقة تشمل كلا من السلوكين: الظاهر والباطن، بحيث يكون هناك اتفاق تام بين هذين النوعين من السلوك وبين اوامر وما يحبه الله تعالى ويرضاه.

السعادة والأمن النفسي:
يرى ان سعادة الانسان وامنه النفسي لا يتحققان بالفعل الا بعبوديته التامة لله تعالى وحبه له يقول ابن تيمية:" فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن، الا بعبادة ربه وحبه والانابه، ولو حصل له كا ما يلتذ به من المخلوقات، لم يطمئن ولم يسكن اذ فيه فقر ذاتي الى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة  والنعمة والسكون والطمأنينة"

الكمال الانساني:
يرى ابن تيمية ان عبودية الانسان لله تعالى وحبه له لا يحققان له السعادة والامن النفسي فحسب بل انهما يحققان له ايضا بلوغ اقصى الكمال الإنساني يقول:" اكمل الخلق وافضلهم واغلاهم واقربهم الى الله وأقواهم وأهداهم: "اتمهم عبودية لله"
ان كمال الانسان اذن وسعادته في الدنيا والآخرة انما يتحققان في راي ابن تيمية بتحقيق العبودية لله تعالى وان العبودية لله تعالى هي الغاية من خلق الله تعالى للإنسان.

امراض القلوب وشفاؤها:
يقول ابن تيميه: ان مرض القلب الم يحصل في القلب اي في النفس، وان لمرض القلب نوعان: فساد الحس وفساد الحركه الطبيعيه، وما يتصل بها من الإرادة وكل منهما يحصل بفقده الم وعذاب، فكما انه مع صحة الحس والحركة الارادية الطبيعيه تحصل اللذة والنعمة، فكذلك في فسادهما يحصل الالم والعذاب، فهناك اذا ثلاث صفات يتميز بها مرض النفس في راي ابن تيميه هي:
1-  فساد اي اضطراب في الحس والتصور: اي في الادراك.
2-  فساد في الحركة الطبيعية الارادية: اي في السلوك.
3-  الم وعذاب يحصل في النفس.
 وهذه الصفات الثلاث التي يذكرها ابن تيميه للمرض النفسي تتفق تمام الاتفاق مع ما وصل اليه علم الطب النفساني الحديث، في وصف السلوك المضطرب بثلاث صفات رئيسيه: هي الادراك المختل للواقع والسلوك غير الملائم والشعور بالتعاسة، وبذلك سبق ابن تيميه علماء الطب النفساني الحديث بحوالي سته قرون في تحليل المرض النفساني وتحديد صفاته الذي يتميز بها.

 وعلاج مرض النفس حسب ابن تيميه بالدين الشرعي الذي يؤدي الى ازاله الشبهات والتغلب على الشهوات، ويذكرنا قول ابن تيميه بان المرض يزول بضده بالغزالي الذي اتبع هذا الاسلوب في علاج العادات والاخلاق السيئة، كما بينا ذلك من قبل، اثناء كلامنا عن الغزالي، وبينا انه سبق بذلك المعالجين النفسانيين السلوكيين المحدثين، فقد ذكر ابن تيميه نفس هذا الاسلوب في علاج المرض النفساني، ويبدو انه تأثر براي الغزالي في هذا الموضوع.
 ولا يهتم ابن تيميه في علاج الامراض النفسانيه فحسب بل هو يهتم ايضا بالوقاية، منها قبل حدوثها، يقول: وكما ان الواجب الاحتماء عن سبب المرض قبل حصوله وازالته بعد حصوله.

نماذج من الامراض النفسيه وعلاجها:
الحسد:
الحسد مرض نفساني وهو البغض والكراهه لما يراه الحاسد من حسن حال المحسود، وهذا الحسد نوعان احدهما:
1- هو كراهة النعمة على المحسود مطلقاً: ويتألم الحاسد ويتأذى بوجود النعمة على الحسود ويلتذ بزوالها عنه، وهذا هو الحسد المذموم.
2- هو ان يكره الحاسد فضل المحسود عليه: فيجب ان يكون مثله او افضل منه وهذا ما يسمى بالغبطه.
 وقد سمي ذلك حسداً لان مبدأه هو كراهه ان يكون غيره افضل منه، اما من احب ان ينعم الله تعالى عليه مع عدم التفاته لأحوال الناس، فهذا ليس عنده من الحسد شيء، فيرى ابن تيميه ان غالب الناس يبتلون بهذا النوع من الحسد وقد يسمى هذا النوع ايضا منافسه والتنافس ليس مذموماً، بل هو محمود في الخير، قال تعالى: (ان الابرار لفي نعيم على الارائك ينظرون تعرف في وجوههم نظرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فل يتنافس المتنافسون). ويقول ابن تيميه في علاج الحسد (فمن وجد في نفسه حسدا لغيره فعليه ان يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك في نفسه وينهي نفسه عنه).

العشــــــــــــــق:
العشق مرض نفساني وهو المحبه المفرطة الزائدة عن الحد المحمود، واذا قوى أثر في البدن فصار مرضا في الجسم، إما من امراض الدماغ كالماليخوليا، ولذلك قيل فيه هذا مرض وسواسي وشبيه بالماليخوليا، وإما من امراض البدن كالضعف والنحول.
ومريض البدن قد يشتهي ما يضره، فاذا لم يطعم ذلك تألم واذا اطعم ذلك زاد مرضه، (فكذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعاً، بل ويضره التفكير فيه والتخيل له، وهو يشتهي ذلك فان منع من مشتهاه تالم وتعذب وان اعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزياده الالم).
 ويقول ابن تيميه ان ( القلب انما خلق لأجل حب الله تعالى وهذه هي الفطرة التي فطر الله عليها عباده) فالله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده، فاذا تركت الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا بالله عابداً له وحده، ويرى ابن تيمية ان حب الله وحده وإخلاص الدين له يقي القلب من حب احد غيره، فضلا عن الابتلاء بالعشق.
 والقلب المحب لله تعالى المنيب اليه الخائف منه، يصرفه عن العشق أمران:
احدهما: انابته الى الله ومحبته له، والتذاذه الشديد بذلك فلا تبقى مع محبه الله محبه لمخلوق تزاحمه
الثاني: خوفه من الله فان الخوف الشديد من الله مضاد للعشق يصرفه.
وبرى ابن تيميه ان كل من احب شيء سواء بعشق او بغير عشق فانه يمكن علاجه من هذه المحبة بأمرين:
1.   احدهم بمحبة ماهو احب اليه منه فتزاحمه وتصرفه
2.    والأخر هو بخوف حصول ضرر يكون ابغض اليه من ترك ذلك الحب (فاذا كان الله احب الى العبد من كل شئ واخوف عنده من كل شئ، لم يحصل معه عشق ولا مزاحمه، إلا عند غفلة او عند ضعف هذا الحب والخوف).

 استخدم ابن تيمية في علاج العشق اسلوب العلاج بالضد وهو الخوف من الله تعالى فالخوف هو ضد الحب، وعالج الحسد بالتقوى وكراهية الحاسد ذلك في نفسه وتقوى الله تعالى وكراهية الحسد انما يحدثان حالة نفسيه مضادة للحسد وتعمل على مقاومته، فعلاج اساس الامراض النفسانية عند ابن تيمية هو اذاً العلاج بالضد كما فعل ابن جزم والغزالي من قبل.















________________________________________________________________

ملخص من المرجع المقرر للمساق:
 نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.

الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

د. لؤي زعول / عبدالرحمن ابن خلدون /نصوص نفسية


جامعة الخليل
           د. لؤي زعول                                        نصوص نفسية عند علماء المسلمين
   (دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محاضرات نصوص  نفسية (ابن خلدون)
حياته:
·        هو عبد الرحمن بن محمد الملقب بأبن خلدون ، هو زعيم المؤرخين وكبير المربين.
·        ولد في تونس عام 1332م -732ه، وتوفي عام 1406م-808 هجري
·        دفن خارج باب النصر بمقبرة الصوفية، وكانت تونس في ذالك الحين تموج بافواج من العلماء الذين نزحوا اليها من الاندلس.
·        نشأ ابن خلدون بين اسرة عريقة في الشرف، حيث اشتغل كثير من افرادها بالعلم والسياسة.
·        حفظ القران وقرأه وهو ابن السبع سنين، ثم تلقى ثقافته الاولى على يد والده، فتعلم العربية ووعى كثيرا من اصول اللغه والادب، ودرس الدراسات العقليه وتعمق في الفلسفة والمنطق.
·        اصبح عبقريا وهو لم يبلغ العشرين من عمره.
·        يعتبر ابن خلدون مؤسس لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع.
·        تولى منصب الكتابة للسلطان ابي اسحق صاحب تونس، ولكنه سرعان ما ترك هذا المنصب عندما شبت الفتن والاضطرابات في عاصمه الدولة الحفصية (دولة بني حفص) فتركها وذهب الى تلمسان، ثم بجاية ثم بلاد الاندلسفاستقر عند ابى عبد الله محمد بن الاحمر ملك غرناطه ثم بعثه الى بيدرو ملك قشتالة
·        كان ابن خلدون سياسيا محنكا ذا درايه باخلاق الحكام، واعجب به بيدرو وعرض عليه ان يقيم معه، فأبى وعاد الى غرناطة ولكنه وجد ان الحياة لم تستقم له بعد عودته لان صديقه لسان الدين ابن خطيب كان وزيرا لملك غرناطه، حيث بدا يحقد عليه، واستطاع ان يغير صدر الملك اتجاه ابن خلدون، فرحل الى بجاية مرة اخرى واستقبله اميرها خير استقبال.
·        لكن الحوادث والدسائس كانت تلاحقه في كل مكان، فلم يلبث ان هرب الى فاس.
·         وكما ان عجلة الحوادث كانت تسير بسرعة فلم يتمكن ابن خلدون من الاستقرار وانتهى به الامر الى السجن.
·        في هذه الفترة مل ابن خلدون السياسة ومتاعبها ,فاستبدل دنيا السياسة بدنيا العلم واخذ يبحث ويقرا ويتامل الحوادث، وهو في مدينة تونس 780ه.
·        وفي هذه الفتره الهادئة من حياته اتم وضع المقدمة التي طارت شهرتها في الافاق، غير ان ابن خلدون لم تطب له الحياة الهادئة الساكنة ورجع للسياسة من جديد، لكن اعداءه كانوا له بالمرصاد فاخذوا ينسجون له من جديد حبال الدسائس ففر الى مصر مدعيا انه يقصد بيت الله الحرام للحج.
·        ثم ركب البحر الى قاهره المعز لدين الله سنه 784ه وكان ذالك في عهد السلطان برقوق الذي اكرمه واحسن لقاءه.
·        ولم يخلو ابن خلدون من كثرة الحساد في مصر فاخذوا يكيدون له حتى فسد الجو بينه وبين اولى الامر، وقد اتفق ذلك مع مصاب وخطب الم به وبأهله، ذلك بعد ان استقر في مصر وحسنت حياته، بعث الى اسرته بالمغرب يستقدمها الى مصر فتاهب اهله وبنوه وركبوا البحر ولكن سوء الحظ كان يسير في ركابهم، فقد عصفت العواصف واشتدت الرياح في البحر الابيض المتوسط فحطمت سفينتهم، وغرقوا جميعا، فاجتمع لديه كيد حساده له ومصيبته بفقد اسرته، فشق عليه ذالك واحزنه غاية الحزن واستقال من مناصبه.
·        ويصور لنا ابن خلدون نبأ الفاجعة بقلمه حيث يقول:(ووافق ذلك مصابي بالأهل والولد، وصلوا من المغرب في السفين، فأصابها عاصف من الريح فغرقت وذهب الموجود والسكن والمولود فعظم المصاب والجزع ورجح الزهد واعتزمت الخروج عن المنصب)
·        ولكنه ظل منقطعا للتدريس بالازهر والتاليف واعرض عن الدنيا، واستمر يخدم العلم.

أخلاقه:
يقول لسان الدين بن الخطيب الذي كان حاقدا عليه وعدوه "ان ابن خلدون هو رجلا فاضل حسن الخلق ظاهر الحياء، عزوفا عن الظلم، خاطبا للحظ، متقدما في فنون عقليه ونقليه، سديد البحث، كثير الحفظ، بارع الخط، حسن المعاشرة.
لا شك فيه ان هذا العالم كان ذو شخصيه ممتازة يتميع بعقليه جبارة وذكاء خارق وذاكرة قوية ورأي سديد.


إنتاجه الفكري:
لابن خلدون مؤلفات مختلفة ومنها: مقدمته المعروفة لكتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر، في ايام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر) وبالمقدمة نال شهرته العظيمة.

مجهوده الفكري في حقل التربية الإسلامية:
وضع ابن خلدون أسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ. وكانت آراؤه في التحقيق التاريخي على درجة كبيرة من السداد والصواب، وقد كان احد زعماء التربية الإسلامية الذين شاركوا في وضع مبادئها.

اغراض التربية الإسلامية في نظر ابن خلدون
1-الغرض الديني: ويقصد به العمل للاخره حتى يلقى العبد ربه وقد أدى ما عليه من حقوق.
2-الغرض العملي الدنيوي: وهو ما تعبر عنه التربية الحديثة بالغرض النفعي او الإعداد للحياة

كان المسلمون يخالفون الرومان الذين كانوا يقصدون من التربية: التربية الحربية والتربية البلاغية، ويخالفون الاسبرطيين الذين كانوا يعدون الشباب للحياة الحربية، والأثينيين الذين كانوا يعملون على تعليم الشباب العلوم العقلية والفلسفية. ولا شك ان هذه الإغراض كلها دنيوية.

وقد بنيت التربية الإسلامية على هذه القاعدة الحكيمة التي رسمها القران الكريم في هذه الآية الكريمة "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنسى نصيبك من الدنيا" وعلى ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم :"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا".

كما جمعت التربية الاسلامية بين الغرضين الديني والدنيوي: بعكس التربية القديمة عند اليونان والرومان فالتربية الإسلامية في جوهرها تتطلب من الناشئ ان يكون رجلا فاضلا مهذب النفس نافعا في الحياة العملية. بمعنى اعداد رجال يستطيعون ان يعيشوا عيشاً جيداً، ليتفق بذلك ابن خلدون مع هربرت سبنسر الفيلسوف التربوي الانجليزي.
مناهج التربية الإسلامية:
للتربية الاسلامية مناهج تختلف باختلاف البيئات الإسلامية، ولكن المسلمين متفقون على ان القران الكريم هو أصل الدين ومصدر العلوم، ولذلك جعلوه أصلا من اصول التعليم وأساسا من أسس التربية الإسلامية.
مناهج التربية نوعان:
1-  منهج ابتدائي:
المنهج الابتدائي يعد عاما في جميع الأقطار الاسلامية من حيث الاتفاق على دراسة القران الكريم، وحديث الرسول صل الله عليه وسلم ولكنه يختلف بحسب ما يضاف اليه من المواد الدراسية باختلاف البيئات الاسلامية، ومنها مثلا:
أ‌-     أهل المغرب وشمال افريقيا وبلاد البربر يقتصرون في تربيه الناشئ على تحفيظ القران الكريم ولا يخلطون معه شيء اخر.
ب‌- اما أهل الأندلس كانوا يمزجون بين تدريس القران الكريم وغيره من العلوم، كرواية الشعر والنثر، واخذ الناشئين بقواعد اللغه العربية وحفظها وتجويد الخط.
ت‌-اما اهل المشرق والمقصود بهم العراق وما يجاوروها من الاقطار الاسلامية، فمذهبهم كأهل الأندلس، من حيث الجمع بين تحفيظ القرآن الكريم ودراسة العلوم الاخرى. الا انهم يختلفون من في جهتين:
·        اهتمامهم وعنايتهم بالقران الكريم كانت اشد من الاندلس.
·        كانوا يفصلون الخط عن المنهج الدراسي ويجعلون له معاهد خاصة ومعلمين مستقلين.

نقد ابن خلدون لهذا المنهج :
1-  يرى ابن خلدون ان اقتصار اهل المغرب وافريقيا على دراسة القران الكريم للناشئين يجعلهم قاصرين عن بلوغ القدرة الإنشائية في التعبير وذلك لانهم كانوا يحملون الولدان على الحفظ فقط من غير تفهم لأساليب القرآن ووقوف على الاسرار البلاغية في آياته على قدر الطاقة.
2-  اما الاندلس فقد كانوا يخلطون مع القران ودراسة اللغه العربية وفنون النثر والشعر والخط، ولذلك مهروا في الخط وكان لهم ادب بارع ولسان فصيح وقدرة مبدعه على الانشاء والتعبير.
ويعرض ابن خلدون رأي امام من ائمه التربية الاسلامية وهو القاضي ابو بكر بن العربى ويقول:ان الشعر ديوان العرب فلا بد من تقديمه وتقديم اللغة العربية في الدراسة. فاذا حصل الصبي قدرا من ذالك انتقل الى الحساب فيتمرن عليه، ويعرف قوانينه ثم ينتقل الى دراسه القران الكريم.
وقد وافق ابن خلدون على هذه الطريقة (طريقة ابن العربى) ويؤيدها، ولكنه يرى ان عادات أهل المغرب لا تساعد على اخذ الناشئين بها، لأنهم اعتادوا على تقديم دراسة القران على كل ما سواه، لان ذلك من التبرك والثواب ولأنه يحمي الأولاد من الشرور التي قد يتعرض لهم في أيام الصبا.

2- منهج عالي:
يقسم ابن خلدون العلوم المتعارفة عند اهل العراق قسمين:
1.    علوما مقصودة بالذات: وهي العلوم الشرعية من فقه وتفسير وحديث وكلام والطبيعيات والإلهيات والفلسفة، التي ينبغي التوسع بها عبر تعليم والإحاطة والوقوف على دقائقها.
2.    علوما غير مقصودة لذاتها: ولكنها تتخذ اله للمهارة في العلوم السابقة كاللغة العربية والحساب والمنطق، فلا ينبغي التوسع بها الا بالقدر الذي يعين على فهم المقاصد.

ومن اجل ذلك يحمل ابن خلدون حملة قوية على العلماء الذين يتوسعون في العلوم التي تعد آلات لغيرها، لأنهم أطالوا البحث فيها ووسعوا أبوابها الى الدرجة التي جعلتهم ينحرفون بها عن الغاية منها فأصبحت هذه العلوم غاية مقصودة والأصل فيها انها وسيلة الى غيرها، فالاشتغال بها وترك المقاصد فيه مضيعة لوقت المتعلم.




ثم يؤثر ابن خلدون علم النحو ويقول:
انه لا ينبغي ان يدرس هذا العلم دراسة نظرية لان الغاية منه تدريب الطفل على ان يجيد التعبير عما في نفسه وان يقراء قراءة صحيحة، ويفهم ما يقراء. والنحو والبلاغة ضربان من فلسفة اللغة فيجب الا يبدأ في تعليمهما للطفل الا بعد ان يبلغ سنا ملائمة.
عليه يرى ابن خلدون التوسع في العلوم الشرعية وعدم التوسع في العلوم الآلية، حيث ينصح الا يوسع الكلام في العلوم الاليه بخلاف العلوم المقصودة بالذات،

آراؤه في التربية الاسلامية وطرقها:
1.   ضرورة إلمام المربي بفن التدريس والتربية والتعليم
أ‌-     لا يكفي ان يكون العلم وحده سلاح المعلم، بل لا بد له من دراسة نفسية للأطفال ومعرفة درجة استعداداتهم ومواهبهم العقلية، حتى ينزل الى مستواهم الفكري وبذلك يتم الاتصال بينه وبين الناشئين.
ب‌- ان دراسة فن التربية وطرق التدريس من اهم ما يعني به المربون، ثم يلوم المدرسين الذين لا يعنون إلا بتربية الحافظة، وحشو أذهان التلاميذ بمعلومات لا تترك اثرا في عقولهم.
ت‌-ان مدة الدراسة في بلاد المغرب تصل الى سته عشرة سنة ومع ذلك لم يحصل الناشئون على المهارة في العلم وكسب الملكة فيه، بسبب عناية مدارسهم بالحفظ دون سواه. بعكس نظام التربوي في تونس حيث تكون مدة الدراسة لا تزيد عن خمس سنوات ومع ذلك يحصل الناشئون على الملكة في العلم بسبب اهتمام المدرسين بالبحث والمناظرة وحمل التلاميذ على التفكير مع مراعاة استعداداتهم.
ث‌-يعتقد ان دراسة علم التربية واجب على من يريد ان يكون معلما، لانه لا يكفي ان يعلم غيره كما كان يعلم.
ج‌-  ان المدرس الذي لم يدرس التربية وعلم النفس وطرق التدريس، ولم يعد الاعداد الضرورة لمهنة التعليم، يعتبر طفلاً، ولا يجوز ان يقوم طفل بتعليم طفل اخر فان هذا النوع من التعليم ناقص.
ح‌-  وتتطلب مهنة التدريس ان يكون المدرس متينا في المادة التي يقوم بتدريسها بحيث يعرف كل صغيرة وكبيرة عنها.
خ‌-  والمعلم عليه ان يدرس علوم التربية ونفسية الأطفال وميولهم وغرائزهم كي يستطيع ان ينجح في عمله، وقد اعتبر ابن خلدون انه مما يخالف العقل ان يقوم بتعليم الأطفال قوم لا يعرفون شيئا عن قواعد التربية وطرقها.
د‌-    ان الوسيلة الوحيدة لإصلاح المدارس والنهوض بالتعليم هي إعداد المدرسين لمهنتهم.

2.   التدرج والتكرار في التدريس او الإجمال في البدء ثم التفصيل:
أ‌-     يجب ان يكون تعليم الناشئين قائما على أساس إجمال المعلومات في البداية، على ان يكون التفصيل بعد ذالك بالتدريج، فتلقى على الناشئ أولا مسائل من كل باب من الفن ثم يقربها المدرس من أذهان التلاميذ بالشرح الواضح، مراعيا بذلك نموهم العقلي، وقدرة استعدادهم لقبول ما يلقى عليهم.
ب‌- اتفق ابن خلدون مع التربية الحديثة في ضرورة مراعاة الاستعدادات والمواهب الفطرية في التدريس.
ت‌- يرى ابن خلدون ان استعداد الناشئ لفهم العلم يأتي تدريجيا وهذا ما تنادي به التربية الحديثة التي تقول بتدرج النمو العقلي للطفل، وانه يأتي على مراحل أي من الاسهل الى الاصعب.

3.   الانتفاع بوسائل الايضاح والرحلات في تبسيط الدروس:
أ‌-     يحث ابن خلدون على الاعتماد على الامثلة الحسية في تفهيم التلميذ لانه في البداية ضعيف الفهم وقليل الادراك
ب‌- ويحث على الرحلات الى الاقاليم النائية في طلب العلم واستفادته، لانها تفتح امام الناشئين كثيرا من ابواب العلم، ووقفهم على مشاهد لها اثر في توضيح المعلومات وفهمها، تزيد من تجاربهم.
ت‌- التربية الحديثة توافق ابن خلدون على ان استخدام الرحلات وسيلة مهمة في تحصيل المعلومات بطريقة عملية وان قصد ابن خلدون فيها لقاء كبار العلماء و الفقهاء.
ث‌- نادى ابن خلدون بالرحلة والسفر من اجل طلب العلم فقد كان المسلمون يرحلون من بلد الى بلد ومن مدينه الى مدينه لتحقيق كلمة او جملة او مسالة من المسائل على يد علماء عرفوا بالتبخر في العلوم ولم يبالوا بمتاعب السفر ومشاقة
ج‌-  وقد ذكر ابن خلدون ان تاج الإسلام أبا سعد تلقى العلم في الديار المختلفة واتصل بأربعة ألاف من الأساتذة وان سليمان الفلسطيني اتصل في مصر واليمن والجزيرة والحجاز بألف أستاذ في اثنتين وعشرين سنة.

4.   ألا يؤتى بالغايات في البدايات:
أ‌-     لا تقدم الى الناشئ التعريفات والقوانين الكلية في اول عهده بالدرس.
ب‌-الابتداء بالامثلة الكافية التي تساعد في فهم القواعد والتعريفات.
ت‌- مواجهة الناشئ بالقواعد الكلية والقاء مسائل التعلم دفعة واحدة، وهو غير مستعد لفهم ما يلقى عليه في هذه الفترة من عمره العقلي يصيب عقله بالكلال والكسل، ويقتل نشاطه الفكري ويجعله ينصرف عن العلم ويكرهه

5.   ضرورة الاتصال في مجالس العلم:
يرى ابن خلدون ألا يطول على المتعلم في الفن الواحد بتفريق المجالس، وتقطيع ما بينها لان ذالك ذريعة النسيان، وانقطاع مسائل العلم بعضها عن بعض وان يحرص المدرس على ان تكون الدروس التي تلقى على الناشئ متصلة.
وهذا الرأي لا تقره التربية الحديثة لانها تنادى بضرورة التنويع والتغيير في الدروس لان النفس تسام العمل الواحد المستمر، ولان فترات الراحة التي تكون بين الدروس تساعد في النشاط وتثبيت المعلومات في أذهان المتعلمين
6.   عدم الخلط بين علمين في وقت واحد:
·        يقول ابن خلدون بانه لا يجوز ان يعلم الناشئ علمين معاً في وقت واحد ذلك:
أ‌-     لأنه قل ن يظفر بواحد منهما بسبب تقسيم البال، وانصرافه عن كل واحد منهما الى تفهم مسائل العلم الأخر، وبذلك يبوء بالخيبة والإخفاق فيهما.
ب‌- اما اذا تفرغ لعلم واحد كان رائعا بتحصيله، ومعرفة مسائله.
·        وان هذا الرأي ينافى طرق التربية الحديثة التي تدعو الى التنويع في المواد الدراسة في مرحلة الثقافة لان ذلك يجدد نشاط المتعلمين، ويزيد في اقبالهم على تلقى الدروس، اما الاستمرار في دراسة علم واحد فانه يدعو الى السامة والملل والتعب والعقلي.

7.   الا يبدأ بتدريس القران الا عندما يصل الطفل الى درجة معينه من التفكير:
أ‌-     يلوم ابن خلدون المربين في زمانه على تلك الشائعة التي ليس لها مبرر وهي تحفيظ القران للناشئ في بداية تعليمه اعتقادا منهم ان دراسة القران للوليد تعوده منذ الطفولة ان يكتب وان يتكلم بلغة فصحة وانه يحميه من شر الرذائل
ب‌- ويقول ابن خلدون"ان القران كلام الله المنزل وليس لنا ان نقلده وليس له تاثير في اللغة قبل ان يفهم الوليد معانيه ويتذوق أساليبه
ت‌- لن يكون للقرآن تأثيره اللغوي والمعنوي، الا بعد ان يصل الطفل الى درجة معينه من التفكير تمكنه من فهم معانيه
ث‌-زعم بعض المفكرين امكان ترجمة القرآن الى اللغات الأجنبية وابن خلدون يقول بعبارة صريحة:ان القران والسنة عربيتان ليس من الممكن ترجمتهما، بخاصة القرآن الكريم، والشعوب الإسلامية غير العربية لم تحاول ترجمته عملا بالنص الكريم"انا انزلناه قرآناً عربيا"
ج‌-  والأفضل ان يبدأ التلميذ بتعلم القراءة والكتابة والحساب ثم ينتقل الى قرآءة القران الكريم وتفهم معانيه وحفظه.

8.   تجنب المختصرات في التعليم:
·         يرى ابن خلدون ان من العوامل التي تقف عقبة في سبيل التعليم هي اختصار الكتب وان المتأخرين قد أولعوا بهذه الطريقة.
·        ان في هذه الطريقة إفسادا للتعليم وإخلالاً بالتحصيل وتضييعاً لوقت المتعلم في تتبع ألفاظ الاختصار العويصة في الفهم واستخراج المسائل من بينها.
·        وقد حمل هذا المتأخرين على ان يقصدوا بالمختصرات تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم مركبا صعبا يحول بينهم وبين الانتفاع بالدراسة.
·        لقد ثار ابن خلدون على هذه الطريقة لأنها ترهق العقل وتشوش نظامه وتضيع وقت المتعلم  ثم لا تثبت معلوماتها في أذهانهم الا مدة يسيرة
·        لا عجب اذا نفر التلاميذ من الدراسة وسئموا العلم والتعليم لانهم لم يجدوا من يرغبهم في البحث او يستمليهم الى الاطلاع.

9.   عدم مطالبة التلاميذ باستيعاب ما كتب في كل علم
يرى ابن خلدون الا يطالب التلاميذ باستيعاب ما كتب في كل علم فان ذلك يعوقهم عن التحصيل، وقد قال "اعلم انه مما اضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التاليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم، ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك كله فيحتاج المتعلم الى حفظها كلها او اكثرها، ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة اذا تجرد لها فيقع القصور"

10.           استعمال الشفقة في معاملة الاطفال وتهذيبهم:
أ‌-     يدعو ابن خلدون الى الرحمة والشفقة بالأطفال وتهذيبهم باللين والتفاهم لا بالشدة والغلظة ,فاذا اخذ التلميذ بالقسوة والغلظة ضاعت نفسه وذهب نشاطه فيفسد منذ الصغر.
ب‌-رفض ابن خلدون استعمال السوط في التربية والتأديب، اعتبر انه لا مانع من من استعمال العصا بدلا من السوط عند الضرورة القصوى واذ لم ينجح كل الوسائل التهذيبية في تاديبه.
ت‌-يرى ابن خلدون ان استعمال الشدة مع التلاميذ مضرة بهم جسميا وخلقيا واجتماعيا ووجدانيا وقد تأثر في رأيه بأراء من سبقه من فلاسفة الإسلام.
ث‌-فابن سينا يقول ان حسم الداء خير من علاجه وان المربي الحازم هو الذي يبعد الطفل عن البيئة التي تشجعه على الأخطاء فإذا أخطا الطفل استعمل معه المربي وسائل الحكمة بالترغيب حينا والتوبيخ حينا والتفهم حينا، فإذا اضطر الى استعمال اليد في العقوبة فلا مانع وليكن أول الضرب موجعا، فان الضربة الأولى اذا كانت موجعة اشتد خوف الصبي مما بعدها.
ج‌-  الغزالي يقول:الا يقسو المعلمون على تلاميذهم وينادي بالإشفاق بهم والعطف عليهم ومعاملتهم معاملة الأبناء
ح‌-  ويرى العبدري منع الشدة في معاملة الاطفال، ويحذر المعلمين من إعداد عصا لضرب الصبيان، لان هذا لا يليق بمن ينتسب الى حملة الكتاب العزيز، فالصبيان يختلفون.
خ‌-  وقد نصح ابن خلدون المعلمين والإباء والأمهات الا يستبدوا في التعليم والتهذيب والتربية والتأديب، ورسم لهم منهجا قوياً لتأديب الصغار، وطريقة معاملتهم واستمده من وصية الرشيد لمؤدب ولده الأمين وهذه الوصية تقوم على أساسين وهما:
*   منهج دراسي لتعليم الأمين *    طريقة لتنفيذ هذا المنهج وتعليمه
وهي الوصية التي تعد من ابلغ الوصاية التربوية التي يجدر تعليمها للمعلمين لينتفعوا بها.

11.            القدوة الحسنة:
أ‌-     لم تصل التربية الحديثة الى أبدع من اتخاذ القدوة الحسنة وسيلة الى تعليم الأخلاق وغرس أصول الفضائل في النفوس.
ب‌- ان ابن خلدون يرى بان الأطفال يتأثرون بالتقليد والمحاكاة والمثل العليا التي يرونها اكثر مما يتأثرون بالنصح والإرشاد.
ت‌- اننا لا ننتظر من المدرس ان يكون مدرسا فحسب بل ننتظر منه ان يكون مصلحا بالقدوة الحسنة والعظة حيث تنفع العظة. وان اثر المدرس الكفء يظهر في تلاميذه كما يظهر اثر الإباء في الأبناء
ث‌- المدرس يجب ان يكون مثلا عاليا وقدوة حسنة للتلميذ يحذو حذوه، هو روح التربية وهو القائد والصديق والمربي بالحقيقة والروح بالنسبة للطالب.
ج‌-  لا شك ان المعلمين قادة الافكار في الامة يمثلون الطبقة المثقفة العالمة فيها، فعليهم النهوض بأطفال اليوم ورجال الغد وبهم ترقى الامة الى اسمى درجات الحضارة والمدنية.

12.         تقوية الصلة بين الأساتذة والتلاميذ:
أ‌-     كان العلم والتعليم من الإعمال الاجتماعية الخاصة بالبشر لذلك كان وجودهما في الحياة المدنية الحضرية اكثر من وجودهما في الحياة البدوية، لان كلا منهما تشتد اليه الحاجة كلما استبحر العمران وعظم.
ب‌-ومما يفيد في الإحاطة بالعلم ان يكون ذلك عن طريق المحاكاة والتقليد والاتصال الشخصي بالعلماء فذلك من انفع الطرق في تلقى العلوم، اما تعلم العلم عن طريق التلقي والتدريس في الفصل اقل فائدة.
ت‌-ان ابن خلدون يستهدف من وراء ذلك غاية بعيدة تدعو الى التربية الحديثة وهي العمل على تقوية الصلة بين الأساتذة والتلاميذ خارج الفصل الدراسة حتى تتهيا الفرص الواسعة للتلاميذ كي يحتكوا بأساتذتهم عن قرب، ويتصلوا بهم وينتفعوا بأخلاقهم وينقلوا عنهم علومهم وآراءهم وتجاربهم في الحياة.
13.         تدريس العلوم باللغة الاصلية:
هذه فكرة ابن خلدون وهي ان تدريس العلوم ينبغي ان تكون باللغة الأصلية لان الدرس بلغة أجنبية يعد نصف الدرس، فاللغة العربية التي اتسعت في الماضي للثقافات الأجنبية من إغريقية وفارسية وهندية قادرة على ان تستوعب مصادر الثقافات الحديثة كلها من طب وصيدلة وكيمياء وفلسفة واقتصاد... الخ، لانها لغة غنية مرنة طيعة الأداء بما فيها من طريق المجاز والاشتقاق والتعريب التي تتيح للمترجمين الإمكانيات الضرورية للحصول على المصطلحات العربية الحديثة التي تعبر عما يقابلها من المصطلحات الأجنبية، مع التأكيد على تعلم اللغات الأخرى.  

الفلسفة عند ابن خلدون:
يرى ابن خلدون في المقدمة أن الفلسفة من العلوم التي استحدثت مع انتشار العمران، وأنها كثيرة في المدن ويعرفها قائلا: بأن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء ألحسي تدرك أدواته وأحواله، بأسبابها وعللها، بالأنظار الفكرية العقلية وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع، فإنها بعض من مدارك ألعقل وهؤلاء يسمون فلاسفة، وهو باللسان اليوناني محب الحكمة.

 فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق. ويحذر ابن خلدون الناظرين في هذا العلم من دراسته قبل الاطلاع على العلوم الشرعية من التفسير وألفقه فيقول: ¸وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير الفقه ولا يكن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاتبها.

لعل ابن خلدون وابن رشد اتفقا على أن البحث في هذا العلم يستوجب الإلمام بعلوم الشرع حتى لا يضل العقل ويتوه في مجاهل الفكر المجرد لأن الشرع يرد العقل إلى البسيط لا إلى المعقد وإلى التجريب لا إلى التجريد.
ومن هنا كانت نصيحة هؤلاء العلماء إلى دارسي الفلسفة أن يعرفوا الشرع والنقل قبل أن يمعنوا في التجريد العقلي.
فلسفة ابن خلدون:
امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكيروانصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه.

وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي ألقضاء إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام، أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.

بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي ألحكيم أرسل أكثر من مرة لحل نزاعات دوليه فقد عينه السلطان محمد بن الاحمر سفيرا إلى أمير قشتالة لعقد الصلح وبعد ذلك بأعوام استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم المغولي تيمور لنك، والتقوا بالفعل

الفكر التربوي عند ابن خلدون:
له مساهمة فعالة في علم التربية والذي لم يكن معروفا كعلم أكاديمي مستقل مثل أليوم وقد عملت دراسات كثيرة حول فكرة ألتربوي ويمكن إجمال أفكاره التربوية في التالي:
  • أن العلم ينقسم إلى علمين علم نقلي وعلم عقلي.
  • التدرج في التعليم.
  • البدء بالمحسوس والتدرج حتى الملموس.
  • يكون تعليم الصبي بداية بعض سور القرآن الكريم وبعض الأشعار حتى تقوى ملكة الحفظ.
ينتسب ابن خلدون في فلسفته الى عدة مدارس:
1-    المدرسة التاريخية الاجتماعية التي يقول أصحابها بأن الظواهر الاجتماعية يمكن تفسيرها واستنباط نظرياتها من حقائق التاريخ .
2-    المدرسة الاقتصادية وهي التي تفسر التاريخ تفسيرا ماديا واشرح الظواهر الاجتماعية شرحا اقتصاديا وان اي تغيير في المجتمع مرده العوامل الاقتصادية.
3- المدرسة الجغرافية وتقول ان الإنسان ابن بيئته ونتاج الظروف الطبيعية.


__________________________________________________________________________
ملخص من المرجع المقرر للمساق:
 نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.