د. لؤي
زعول نصوص
نفسية عند علماء المسلمين
(دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
(دكتوراه بعلم النفس الاجتماعي والعملي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملخص محاضرات (فخر الدين الرازي)
حياته:
·
ابو عبدالله محمد عمر بن الحسين بن
الحسن علي التميمي البكري، الملقب بفخر الدين"شيخ الإسلام".
·
والده الإمام ضياء الدين عمر بن الحسن
خطيب الرى، اشتغل بعلم الخلاف في الفقه وأصول الفقه، وله تصانيف كثيرة في الأصول
والوعظ وغيرهما، وقد اشتغل بالعلم على يد والده.
·
هو اكبر مفكر الاسلامي بعد الامام
الغزالي الملقب ايضا بشيخ الاسلام.
·
ولد في مدينة الرى شرق طهران في خراسان(أفغانستان) عام 544 هـ /1150م. وقد توفيفي مدينة بهرات عام 606هـ /1209م.
·
على يد والده تعلم فخر الدين العلوم
اللغوية والدينية، وتتلمذ في العلوم العقلية.
·
كان فخر الدين الرازي شديد الدقة في
أبحاثه، جيد الفطرة، حاد الذكاء، حسن العبارة، قوي النظر في صناعة الطب
ومباحثها، عارفا بالأدب، ويتقن العربية والفارسية، وله شعر باللغتين العربية
والفارسية.
·
وكان طلاب العلم يقصدونه من كافة
البلدان يعشقون مجلسه والاستماع إليه، وكان يعقد مجالسه العلمية حيثما حل في بلاد
فارس، وخراسان، وبلاد ما وراء النهر، وكان يقرب منه في حلقات درسه تلاميذه الكبار.
·
وقد عانى فخر الدين الرازي في شبابه
المشقات في أسفاره لطلب العلم، وكان إذا ركب يمشي حوله ثلاثمائة تلميذ: فقهاء وغيرهم.
·
وقف عند مؤلفات ابن سينا والفارابي
وتعلم منها الكثير.
·
هو أول مَن ابتكر الترتيب وفق قواعد
المنطق في كتبه، من حيث ترتيب المقدمات واستنباط النتائج مراعيا التقسيم إلى
أبواب، وتقسيم الأبواب إلى فصول، وتقسيم الفصول إلى مسائل فلا تشذ منه مسألة، حتى
انضبطت له القواعد، وانحصرت معه المسائل.
·
فخر الدين الرازي هو أول مَن
قال من العرب: إن علم المنطق علم قائم بذاته وليس
جزءا من غيره.
·
واستقر فخر الدين الرازي في أواخر
حياته بمدينة هرات، وصارت له بها دار فخمة أعطاها له السلطان خوارزم شاه محمد بن
تكش الذي كان حريصا دائما على حضور مجالسه العلمية، وقد كان يعقد مجالسه العلمية بمسجد هرات.
مؤلفاته:
له العديد
من المؤلفات منها: التفسير، علم الكلام، اصول الفقه، الحكمة، الجدل، النحو، الطب،
علم النفس، الفراسة، علم الاخلاق وغيرها)
كما انه
الف اكثر من 200 كتاب منها: ( الروح وشرح قواها، شمل في صفحاته على المنهج
البرهاني لا على الطريق الخطابي الإقناعي، كما تحدث عن النفس وقواها والعلاج
النفسي من بعض الصفات المذمومة، المطالب العالية من العلم الالهي/ النفس، والفراسة
/ دليل على اخلاق الناس وطبائعهم، وكأنهم كتاب مفتوح).
طبيعة النفس الانسانية عند فخر الدين الرازي:
يعرِّف فخر الدين الرازي "النفس" بأنها: جوهر مغاير للبدن، مفارق عنه بالذات، متعلق به تعلق
التصرف والتدبير. وأعضاء البدن هي آلات وأدوات للنفس.
فكما أن النجار يفعل
أفعالًا مختلفة بواسطة آلات مختلفة، فكذلك النفس تُبصر بالعين، وتسمع بالأذن،
وتفكر بالدماغ، وتفعل بالقلب؛ فهذه الأعضاء آلات للنفس وأدوات لها.
وقد اعتبر ان النفس ليست
بجسم: فهي جوهر مجرد عن الجسمية.
قوى النفس:
لم يذهب بعيدا عن تصنيف ابن
سينا لقوى النفس هي: قُوَى نباتية، وقوى حيوانية، وقوى إنسانية وهي:
1.
القوى النباتية: إن جسم الإنسان حار رطب، وتسبب الحرارة في الرطوبة تصاعد الأجزاء البخارية
منه، فيحدث عن ذلك الذبول والانحلال في الجسد،
فأودع الخالق الحكيم فيه
القوة الغاذية التي تحيل مادة الغذاء إلى مادة شبيهة بمادة الجسم، وتضيفه إلى
أعضائه، كما أودع الخالق الحكيم فيه أيضًا القوّة المولّدة التي
تقوم بفعل التوليد.
2.
القوى الحيوانية فهي نوعان: * محرّكة * مدرِكة.
أ. القوى المحرّكة:
إما أن تكون مباشرة للتحريك
أو باعثة عليه. والمباشرة التحريك هي:
القوة الموجودة في العضلات.
أما القوة الباعثة على
التحريك فلها مراتب: أولى هذه المراتب هي:
(الإرادة الجازمة، والشوق
الجازم). وهذه الإرادة الجازمة إنما تتولد من شهوة تتعلق بجذب
الملائم، أو من غضب يتعلق بدفع المنافي. وهذه الشهوة وهذا الغضب إنما يتولدان من شعور الإنسان
بكون الشيء ملائمًا أو بكونه منافيًا.
ب. القوة المدركة: اما ظاهرة وهي: الحواس الخمس الظاهرة.
وإمّا باطنة وهي:
الحواس الخمس الباطنة.
وإذا توخّينا الدقة في
القول: فإن هذه الحواس الخمس الباطنة إمّا مدركة وإما متصرفة، كما تم شرحها عند
ابن سينا.
3.
القوى الإنسانية:
للنفس الإنسانية قوتان:
نظرية وعملية، القوّة
النظرية هي: القوة التي باعتبارها جوهر النفس لقبول الصوَر الكلية
المجردة. واما العملية فهي القوة التي باعتبارها يستعد جوهر
النفس لتدبير هذا البدن، والقيام باصلاح مهماته.
القوة النظرية:
يذكر فخر الدين الرازي ان للعقل
مراتب أربعة تظهر عبر القوة النظرية وهي ما يلي:
1.العقل الهيولاني: وهي نفس الطفل الخالية من جميع المعارف والعلوم، إلا
أنها قابلة للعلوم. وقد سميت بالعقل الهيولاني لهذا المعنى.
2.العقل بالملكة: ويقسم فخر الدين الرازي العلوم
إلى بديهية وكسبية. والعلوم البديهية تحصل في العقول أولًا.
ثم بواسطة هذه العلوم
البديهية يحصل الإنسان العلوم الكسبية، وحينما يحصل العقل العلم البديهية والكسبية
فإنه يسمي العقل بالملكة.
3-
العقل بالفعل: هو أن يحصل العلوم المكتسبة تحصيلًا تامًّا وافرًا،
إلا أنها لا تكون حاضرةً في عقله، ولكنها تكون بحيث متى شاء استحضرها، قدَر عليه
من غير حاجة إلى مزيدِ عناء وتكلف".
4-
العقل المستفاد: هي
"أن تكون العلوم
حاضرة بالفعل، مشرقة تامة كاملة مضبوطة، وهذا هو المسمى بالعقل المستفاد.
وإذا بلغت النفس البشرية
إلى هذا الحد، فقد وصلت إلى آخر الدرجات البشرية، وأول منازل الملائكة".
القوة العملية:
هي القوة التي باعتبارها
يستعدّ جوهر النفس لتدبير هذا البدن والقيام بإصلاح مهماته، فالنفس دخلت العالم
الجسماني لتكتسب العلم النافع والعمل الصالح، وقد ذكر فخر الدين الرازي ان البدن
كالمدينة، والنفس الناطقة كالملك، والحواس الظاهرة والباطنة كالجنود، والاعضاء
كالرعية، والشهوة والغضب كعدو ينازعه في مملكته، ويسعى في اهلاك رعيته، فان قصد
الملك قهر ذلك العدو، استقامت المملكة، وارتفعت الخصومة، وان لم ينازع عدوه ضيع
مملكته، واحتلت بلدته، وصارت عاقبة امره الى هلاك.
وحدة النفس:
ينتقد الرازي ما ذهب إليه
الفلاسفة من تفريع أفعال النفس المختلفة، واسناد كل فعل على حِدة إلى قوة على حدة،
فهو يقول:
إن جميع هذه الإدراكات
لجوهر النفس، وجميع هذه الأفعال لجوهر النفس، وكل عضو من أعضاء البدن فهو آلة
النفس، بحسب فعل خاص من أفعالها. فآلة النفس في الإبصار هي العين، وفي السماع هي الأذن،
وفي النطق هو اللسان.
ويذكر فخر الدين الرازي
عدةَ أدلة تثبت وحدة النفس منها: 250ص
1.الغضب: إن الغضب حالة نفسانية تحدث عند محاولة دفع المنافي، والشهوة:
حالة نفسانية تحدث عند طلب
الملائم. ثم من المعلوم بالضرورة
أن دفع المُنافي وطلب
الملائم مشروط بحصول الشعور بكون الشيء منافيًا أو ملائمًا،
فالقوة الغضبية التي هي قوة
دافعة للمُنافي إن لم يكن لها شعور بكون ذلك الشيء منافيًا، امتنع كونها دافعة
لذلك المنافي على سبيل الاختيار والقصد.
فثبت أن الذي يغضب لا بد
وأن يكون هو بعينه مدركًا، والذي يشتهي لا بد وأن يكون هو بعينه مدركًا.
فثبت بهذا البرهان القاطع:
أن الإدراك والغضب
والشهوة صفات ثلاث لذات واحدة، ويمتنع كونها صفات ثلاث لذوات ثلاث متباينة.
2-
إننا إذا افترضنا جوهريْن
مستقلين يكون كل واحد منهما مستقلًّا بفعله الخاص به، امتنع أن يكون اشتغال أحدهما
بفعله الخاص به مانعًا للآخر من الاشتغال بفعله الخاص به.
إذا ثبت هذا فنقول:
لو كان محلّ الفكر
جوهرًا، ومحل الغضب جوهرًا ثانيًا، ومحل الشهوة جوهرًا ثالثًا، وجب ألا يكون
اشتغال القوة الغضبية بمحلّ الفكر جوهرًا، ومحل الغضب جوهرًا ثانيًا، ومحل الشهوة
جوهرًا ثالثًا، وجب ألا يكون اشتغال القوة الغضبية بفعلها مانعًا للقوة الشهوانية
من الاشتغال بفعلها، ولا بالعكس. (أي اشتغال الانسان بالشهوة يمنعه من الاشتغال بالغضب و العكس
وذلك يدل على الفكر والغضب والشهوة وهي افعال نفس واحدة وليست افعال لثلاث
جواهر مستقلة).
3-
إذا أدركنا شيئًا، فقد يكون
الإدراك سببًا لحصول الشهوة أو لحصول الغضب.
فلو كان الجوهر الذي يدرك
شيئًا مغايرًا للجوهر الذي يشتهي، وللجوهر الذي يغضب، لَمَا كان إدراكنا لهذا
الشيء يؤدي إلى حصول الشهوة أو حصول الغضب، وإنما كان إدراك الشيء بسبب حصول
الشهوة أو حصول الغضب لأن صاحب الإدراك هو نفسه صاحب الشهوة وصاحب الغضب.
نظرية المعرفة:
يذهب الرازي إلى أن كمال
النفس الناطقة هو في معرفة الحق لذاته، ومعرفة الخير لأجل العمل به، ولكن عمل
الخير مشروطًا أيضًا بالمعرفة، وعلى ذلك، فإن أهم مهمات النفس هو اكتساب
المعرفة.
كما وتأثر الرازي بأرسطو
الذي جعل طريق المعرفة صاعدة من الحس الى العقل وعليه اعتبرها اساس المعرفة.
وقد ميز الرازي بين نوعين
من الصور العقلية المجردة هما: الصور البديهية التي تسند للإثبات او النفي، الثانية: هي
المكتسبة من العلوم النظرية، بحيث يكتسب الانسان المعرفة من البديهات عن طريق
الحواس، وهنا يقول الرازي:"ان من فقد حساً فقد علما" متفق بلك مع
كل من ابن باجه وابن الحزم وابن رشد، ويقول الرازي يمكن حصول المعرفة من غير الحس
او تعلم من خلال ما جاء في القران الكريم والاحاديث النبوية التي اعتبرها الرازي
قوة الاهية مقدسة، يظهر ذلك بقوله تعالى:" وعلمناه من لدنا علمً".
الفروق الفردية في الصفات
النفسانية:
يرجع فخر الدين الرازي
أسباب الاختلاف في الصفات النفسانية إلى نوعين رئيسيين من الأسباب:
أحدهما:اختلاف النفوس في الماهيات والذوات حيث ان النفس الانسانية مختلفة تشمل الخيرة والشريرة. والثاني: يرجع إلى الأمور الخارجية عن الذات والجوهر وتشمل البلد والتربة التي يوجد بها الانسان.
أحدهما:اختلاف النفوس في الماهيات والذوات حيث ان النفس الانسانية مختلفة تشمل الخيرة والشريرة. والثاني: يرجع إلى الأمور الخارجية عن الذات والجوهر وتشمل البلد والتربة التي يوجد بها الانسان.
ويذكر فخر الدين الرازي بعض
أنواع الفروق الواقعة في القوى الأصلية النفسانية الثلاثة، وهي:
القوة النطقية الدماغية،
والقوة الغضبية القلبية، والقوة الشهوانية الكبدية، ويشرح الفروق الفردية في
الصفات النفسانية المتعلقة بهذه القوى النفسانية الثلاثة.
أولًا:
الفروق الفردية
في الصفات النفسانية المتعلقة بالقوة الناطقة: 253 ص
القوة الناطقة قسمان:
أحدهما:
الأصل وهو العقل، والثاني:
كالفرع وهو العلوم المكتسبة.
ومراتب الإنسان في العقل
مختلفة بالقوة والضعف، والكثرة والقلة، وهذا ظاهر والعلوم المكتسبة قسمان: الاول:
العلوم العقلية (النظرية)
والعلوم النقلية.
الثاني: العلوم العملية المتعلقة بإصلاح أمر المعاش.
ويقول الرازي (قد يكون
الانسان كاملا في تحصيل العلم النظرية الا انه يكون ناقصا في العلوم العملية وهنا
يشكل الضد).
مراتب الإنسان في العلوم
النظرية كثيرة، وذلك من عدة وجوه:
1.
إن الإنسان قد يكون قادرًا كاملًا في جميع أنواع العلوم،
وهو نادر جدًّا، وقد يكون مقصرًا في الكل، وهو غالب جدًّا.
وقد يكون كاملًا في البعض،
ناقصًا في البواقي، وهذا أيضًا مختلف الحال".
2.
أن فيهم من يكون السريع الحفظ بطيء النسيان، وهذا هو
القسم الأشرف، وفيهم من يكون بطيء الحفظ سريع النسيان، وهو القسم الأخس.
ومنهم من يكون سريع الحفظ
سريع النسيان، أو بطيء الحفظ بطيء النسيان. وهذان القسمان متوسطان.
3.
هو الفروق بين الناس في الفَهم.
4.
هو الفروق بين الناس في الحفظ والتذاكر.
يتناول فخر الدين الرازي
أسباب الفروق الفردية في الصفات النفسانية المتعلقة بالقوة الناطقة، وهو يرجعها
إلى أسباب مزاجية ترجع إلى اختلاف أحوال الدماغ وهي اربع اشكال: 254 ص
أ- اختلاف احوال
تجاويف الدماغ الثلاثة وهي موضع التخيل والتفكر والتذكر.
ب-هو القناة
الناقلة بين التجويف المقدم والمتوسط وشبه بالدودة من حيث الانقباض والتمدد.
ت-شكل قحف الرأس.
ث-شكل الرأس
بالنسبة للبدن ( أي كل ما كان الرأس والبدان كبيرا يكون القلب والدماغ قوياً).
ثانيًا:
الفروق في
الصفات النفسانية المتعلقة بالقوة الغضبية القلبية:
تتولد من البطين الأيسر من
القلب أجسامٌ لطيفة روحانية تسري في الشرايين في جميع أعضاء البدن، وتعطيها قوة
الحياة والحرارة الغريزية. فإذا كانت هذه الحرارة قوية حصل التهور، وإذا كانت ناقصة
حصل الجبن، وإن كانت معتدلة حصلت الشجاعة.
ثالثًا:
الفروق في
الصفات النفسانية المتعلقة بالقوة الشهوانية الكبدية:
يرجع اختلاف الناس في شهوة
المأكول والمشروب إلى الفروق بينهم في حجم البدن، وحجم المَعِدة، ومقدار السوداء
الطبيعية التي تنصبّ إلى فم المعدة، وحجم الكبد واختلاف حاله من حيث البرودة
والحرارة، واختلاف الأوردة الناشئة منه من حيث الاتساع والضيق.
ويلاحَظ تأثر فخر الدين
الرازي بنظرية أبو قراط الذي أرجع إلى اختلاف سمات الشخصية بين الناس إلى اختلاف
الأخلاط أو سوائل الجسم الأربعة التي افترض أن الجسم يتكوّن منها وهي:
الدم، والسوداء، والصفراء،
والبلغم. وذهب إلى: أن سيادة أحد هذه الأخلاط يؤدِّي إلى سيادة أحد الأمزجة على
الانسان، وأرجع أبو قراط الفروق بين الناس في سماتهم الشخصية الى الفروق بين
الامزجة السائدة في أجسامهم، وقد اتفق ابو قراط والرازي الى حد كبير مع ما يؤكده
العلم الحديث من تأثير هرمونات الغُدد الصماء على السلوك الانساني.
اللذة والألم:
يقول الرازي:
إنه لا يوجد شيء محبوب
لذاته سوى اللذة والكمال، ولا يوجد في الحقيقة فرق بينهما؛ لأن ما يكون لذيذًا
يكون سببًا لحصول الكمال للملتذ، وما يكون كمالًا يكون لذيذًا، ولكننا نسمي اللذيذ
الجسماني باللذة، واللذيذ الروحاني بالكمال. والشيء المكروه بالذات هو:
الألم والنقصان، ولا يوجد
في الحقيقة فرق بينهما، فالكمال محبوب لذاته وبذاته من حيث إنه كمال، والنقصان
مكروه بذاته ولذاته من حيث إنه نقصان. واللذات ليست في الحقيقة إلا دفع الآلام، فإنه لا معنى
للذة الأكل إلا دفع ألم الجوع، ولا معنى للذة الملابس إلا دفع ألم الحر والبرد.
فحقيقة اللذة إذن هي:
دفع الألم.
ويتبين من ذلك:
أن الأشياء التي يظن بعض
الناس أنها لذات هي ليست في الحقيقة بلذّات، بل هي سعي لدفع الآلام.
وإذا كانت الحاجة إلى الشيء
أشد كان الالتذاذ به إذا وجد أقوَى، وبالعكس.
وإذا كانت الحاجة إلى الشيء
أقلّ كان الالتذاذ به إذا وُجد أضعف.
ويتضح من هذا الشرح التشابه
بين رأي كل من ابو بكر الرازي وفخر الدين الرازيفي اللذة والألم وتأثرهم برأي
افلاطون.
السعادة:
ليست سعادة الإنسان في
الحصول على اللذات الحسية لأنها غير دائمة، ولما ينشأ عنها من الأضرار الكثيرة إذا
ما استغرق الإنسان في تحصيلها. واللذات الحسية تنافي معنى الإنسانية، يقول:
"ذلك أن الإنسان
إنما يكون إنسانًا لحصول نور العقل، واطلاعه على عالم الغيب والأنوار الإلهية؛
فإذا اشتغل الإنسان في استيفاء هذه اللذات الجسمانية، تكدّرت القوة العقلية، وانسد
عليه باب المعارف، وصارت البهيمية غالبة عليه، والإنسانية مفقودة منه".
ويقول أيضًا:
"إن أصل أحوال
الإنسان: اشتغاله بمعرفة الله تعالى، وإقباله على طاعته،
واستغراقه في محبته، ثم إن اشتغال الإنسان باستيفاء اللذات الجسمانية
والطيبات الحسية يمنعه عن عبودية الله، ويصدّه عن ذكر الله.
ولما كانت هذه المعارف أشرف
مراتب المخلوقات، وهذه اللذات الحسية مانعة عنها، كانت هذه اللذات أخس الأشياء
ضرورةً". (أي ان سعادة الانسان هي في توجه الروح الى العالم الاعلى عبر صرفها عن
العالم الاسفل).
وعليه صنّف الرازي النفوس
على أساس توجّه الروح إلى العالم الأعلى أو الأسفل أو التوسط بينهما، وفق ثلاثة
أقسام:
1- أعلاها درجة:
هؤلاء الذين يسميهم القرآن
الكريم بـ"السابقين"؛ حيث قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *
أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}
(الواقعة:
الآيتان 10، 11). وهؤلاء هم: المتوجهون إلى العالم الإلهي، المستغرقون في تلك الأنوار
والمعارف الإلهية.
2-
الدرجة الوسطى هم: أصحاب النفوس التي سمّاها القرآن الكريم بـ"أصحاب الميمنة" و"المقتصدين". وهؤلاء هم الذين يبلغون إلى العالم الأعلى تارةً
بالعبودية والخضوع، وبالعالم الأسفل تارةً أخرى بالتدبير والتصرف.
3-
الدرجة الثالثة هم:
المتوجهون إلى العالم
الأسفل، المتوغّلون في طلب لذاتهم، وهم: الذين سماهم القرآن الكريم بـ"أصحاب الشمال" و"الظالمين".
علم الفَراسة:
اهتم الرازي بموضوع
الفراسة، وهي على حسب تعريفه لها: "الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة".
ومعنى الفراسة من الناحية
اللغوية هو: المهارة في تعرّف بواطن الأمور من ظواهرها.
وفي الحديث:
(اتقوا فِراسة ألمؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى)، فالفراسة نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء، فيرى
به الأمور الخفية،
ويُعدّ الرازي رائدًا في
مجال علم الفراسة بعد ارسطو، وقد قام في كتابه عن الفراسة بتلخيص كتاب أرسطو، مع
إضافة زيادات مهمّة إليه.
* تعريف الفراسة (هي"الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة"،
واللغوية هي:
المهارة في التعرّف على بواطن الأمور من ظواهرها،
وفي الحديث:
(اتقوا فِراسة ألمؤمن
فإنه ينظر بنور الله تعالى)، أي انها نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء، فيرى بها الأمور الخفية.)
ويقسّمه فخر الدين الرازي علم
الفراسة إلى قسمين:
1- القسم الأول هو:
حصول "خاطر في القلب:
أن هذا الإنسان من حاله
وخُلقه كذا وكذا، من غير أن تحصل هناك علامة جسمانية، ولا أمارة محسوسة".
وهذا النوع من الفراسة يحصل
لبعض الناس الذين يتميزون بصفاء القلب، وشفافية الروح، والقوة القدسية، وهو:
فراسة الأنبياء وأكابر
الأولياء. ومن أمثلة هذا النوع من الفراسة:
فراسة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:(لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدَّثون، فإن يكُ في
أمتي أحد فإنه عمر).
2- أما القسم
الثاني من الفراسة وهو: الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة، أي:
"الحكم بمقتضى الأحوال
الظاهرة المحسوسة في الجسد على الأحوال الباطنة".
يقول الرازي:
"إن أصول هذا
العلم مستنده للأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة، أي:
الحكم بمقتضى الأحوال الظاهرة
المحسوسة في الجسد على الأحوال الباطنة. يقول الرازي: "إن أصول هذا العلم مستنده إلى العلم الطبيعي، وتفاريعه
مقررة بالتجارب، فكان مثل الطب سواء بسواء". وهو الجانب الذي بحث فيه الرازي الخاص بالتعليم والتعلم.
العلامات النفسانية لأمزجة البدن:
يذكر فخر الدين الرازي ان معرفة الاخلاق الباطنة في
الانسان انما يستدل عليها من معرفة علتها الموجبة وهي " المزاج البدني "
، أو سائر احوال الإنسان الأخرى التي يكون المزاج البدني علتها.
ويذكر فخر الدين الرازي العلامات النفسانية للأمزجة البدنية
التي تغلب عليها الحرارة، فالعلامات النفسانية للمزاج الحار هو الذكاء، والشجاعة،
والعلامات النفسانية للمزاج الرطب هي البلادة، وكثرة النوم، وكثرة التعب،
والعلامات النفسانية للمزاج اليابس هي اضداد ما ذكرناه بالنسبة للمزاج الرطب.
العلامات النفسانية لأمزجة الدماغ:
إن شكل الرأس المقبول هو ان يكون له نتوء من قدَّام،
ونتوء من خلف، مع انخفاض الجانبين، أما الشكل المربّع فمذموم.
وجود علاقة بين نتوءات الجمجمة وبين القوى العقلية
المتمركزة في اجزاء الدماع المقابلة لهذه النتوءات، ويذهب فخر الدين الرازي أيضاً
إلى أنه يمكن الاستدلال على أحوال مزاج الدماغ من أحوال العين، واللسان، والوجه،
واللوزتين، والرقبة، "إن جفاف العين يدل على يبس الدماغ، وسيلان الدمغ بغير
سبب يدل في الأمراض الحادة على اشتعال الدماغ وأورامها".
العلامات النفسانية لشكل الجبهة:
الجبهة الصغيرة تدل على الجهل، والجبهة العظيمة تدل على
الكسل والغضب والجبهة المنبسطة التي لا غصون فيها تدل على الشغب. في حين ان
والحاجب الكثير الشعر يدل على كثرة الهمّ والحزن، والحاجب الذي يميل من ناحية
الأنف إلى أسفل، ومن ناحية الصدغ الى فوق فإنه يدل على أن صاحبه أبه.
كما ان العين العظيمة المقدار تدل على الكسل. والعينان
الجاحظتان تدلان على أن صاحبهما جاهل مهذار. والعينان الغائرتان تدل على الخبث. واذا
كانت العينان غائرتين قليلاً، فيدل ذلك على نبل النفس. واذا كان جفن العين منكسراّ
أو ملتوياً فصاحبه مكار، كذاب وأحمق. ومن كانت عيناه تتحركان بسرعة وحدّة، وكان
حادّ النظر فهو مكّار، محتال و لص. ومن كانت عيناه تتحركان ببطء كأنها جامدة ، فهو
صاحب فكر ومكر.
علاج الأخلاق الذميمة:
اهتم الرازي بتحليل بعض
الأخلاق الذميمة بهدف معرفة أسبابها، وبيان طرق علاجها.
ومن الأخلاق الذميمة التي
تناولها بالتحليل:
البخل، حيث يفرق بين الحِرص والبخل، فيقول:
"الحرص هو:
السعي التام في تحصيل المال
عند عدمه أو عند قلّته. والبخل هو: السعي التام في إمساكه عند وجوده.
فحُب المال حاصل في
الأمرين، إلا أنّ حب الجمع والتحصيل هو:
الحرص.
وحب الإبقاء هو:
البخل.
وعلاج البخل يتم بطريقين:
طريق العلم، وطريق العمل،
محتذيًا في ذلك حذو الغزالي الذي كان يوصي بعلاج الأخلاق الذميمة بطريقَي:
العلم والعمل.
وقد تأثر الرازي كثيرًا بما
قاله الغزالي من قبل عن علاج البخل، وأخذ عنه كثيرًا من آرائه في هذا الموضوع.
علاج البخل بطريق العلم:
يمكن علاج
البخل بطريق العلم بعدّة سبل، منها:
1- أن يُكثر من
ذكر الموت، والتأمل في موت الأقران.
2- أن يتأمل في
الآيات والأحاديث الواردة في ذم البخل، ومدح السخاء، والوعد بالثواب العظيم في
السخاء، والوعيد بالعقاب في البخل.
3- أن يكثر التأمل
في أحوال البخلاء، ونفور الناس منهم، وكثرة ذمّهم لهم.
4- على المرء أن
يعلم أنه لا سبيل إلى الانتفاع بالمال إلا بخروجه من البدن
5- أن البخيل قد
يتعرض الظرف ما يجعله يفقد ماله، وحينئذٍ لا يجد من الناس حمدًا.
6- أن البخيل
يكون كالأسير في قبضة استيلاء حب المال عليه،
أما إذا قدَرَ على الإنفاق
كان المستولي على المال، القاهرَ له، وكون الإنسان قاهرًا للمال أحسنُ وأفضلُ من
كونه مقهورًا له.
7- إذا مات البخيل
فإنه يترك مالَه لغيره، وهؤلاء سوف ينفقونه في منافعهم، ولا يذكرونه إلا بالذم.
8- ان السخي يكون
ممدوحًا محبوبًا من كافة الناس، والبخيل يكون مبغوضًا ممقوتًا منهم.
9- ان المواظبة
على القناعة يفيد ملكة الاستغناء عن الشيء.
10- ان صاحب المال
يحتاج الى جهد شديد في حفظه وان تلفه يسبب الغم والقهر لصاحبه.
أما علاج البخل بطريق
العمل:
فيذكر الرازي عدة وسائل
يمكن بها علاج البخل بطريق العمل. منها:
1- مجالسة الفقراء
والابتعاد عن مجالسة الأغنياء. فمجالسة الفقراء المنقطعين إلى الله يقلل من مَيْل
الإنسان إلى تحصيل المال.
2- إذا تأمل
البخيل ما سبق أن ذكرناه من مذام البخل ومحاسن السخاء، فإنه لا بد أن يميل إلى
اختيار المحاسن، وينبغي عليه حينئذٍ أن يبادر ببذل المال والجود به قبل أن يعارضه
الشيطان بشُبَه، فيصدّه عن ذلك.
3- أن يتفق
للإنسان أستاذ مشفق يعينه على التخلص من الأشياء التي يتعلق بها قلبه.
4- إن البخل هو
فرطُ عشقِ المالِ، والعشق إذا تمكن فهو مرض شديد، وأحسن دواء له هو:
البعد عن المعشوق، والرحيل
عن بلد هو فيه ليمكنه السلو عنه، وكذلك حب المال يُعالج بإنفاقه ليزول عشقه من
القلب، فتزول صفة البخل. فعلاج البخل إذًا هو في كثرة إنفاق المال.
ويذكر فخر الدين الرازي قاعدة
عامة هي: "إن كثرة الأفعال تفيد الملَكة الراسخة القوية، وكذا كثرة
المفارقة تفيد ضعف تلك الملكة". وبناءً على ذلك، فإن كثرة إمساك المال يقوّي صفة البخل،
أما كثرة إنفاقه فيُضعِفُ صفة البخل.
إن هذا الأسلوب في العلاج
هو في الحقيقة علاج الخُلق الذميم بضده، كما أوصى الغزالي بذلك من قبل، إذ بيّن
ذلك بوضوح من قول فخر الدين الرازي الذي اقتبسه من الغزالي."والحاصل أن المعالج لهذه الأخلاق الذميمة يسلّط
بعضها على بعض، فيسلط الشهوة على الغضب"
ويلاحظ: أن أسلوب علاج البخل بطريق العمل يشبه كثيرًا الأساليب
التي يتبعها المعالجون النفسانيون السلوكيون المحدثون في علاج اضطرابات السلوك،
وبخاصة أسلوب علاج السلوك السيئ بضده. وقد سبق فخر الدين الرازي
والغزالي الكندي ومسكوية من قبل المعالجين النفسانيين السلوكيين المحدَثين من
اتباع مدرسة العلاج النفساني السلوكي المعرفي هذا الأسلوب في تعديل السلوك وعلاجه.
________________________________________________
ملخص من المرجع المقرر للمساق:
نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.
نجاتي، محمد عثمان، الدراسات النفسية عند علماء المسلمين، ط1، بيروت: دار الشروق 1993.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق