الثلاثاء، 21 فبراير 2017

الادراك في علم النفس / د. لؤي زعول

الادراك/ في علم النفس
مفهوم الادراك:
ان لموضوع الادراك تاريخ طويل في الفكر الإنساني، فقد كان موضع خلاف بين الفلاسفة وعلماء النفس، لان موضوع الادراك واسع جدا ويشمل عمليات عقلية كثيرة، يمكن النظر اليها على انها عملية بحث عن افضل التفسيرات للمعلومات الحسية من خلال معرفة خواص الاجسام، حيث تكمن اهمية الادراك في كونها تزود الفرد بالمعلومات عن عالمه الداخلي والخارجي، وتحفظ حياته وتساعده على التكيف والتوافق من خلال استخدام السلوك الانساني السوي، أي ان الفرد لا يستطيع التوافق الاجتماعي والعيش بهدوء مع الاخرين إلا اذا ادرك رغباتهم واتجاهاتهم وشعورهم، حيث ان عملية الادراك عملية اساسية في جميع العمليات العقلية الاخرى مثل التفكير والتذكر والتعلم، فلا يستطيع الفرد تعلم شيء او يفكر به إلا اذا عرفه وأدركه بالشكل الصحيح، فالعمليات العقلية الثلاث تعتبر اساس لمحور التنظيم المعرفي وهي:
1-  الادراك: هو تفاعل الفرد مع البيئة وحصوله على المعلومات منها.
2-  التذكر: حفظ المعلومات التي حصل عليها الفرد من الادراك.
3-  التفكير: وهي تفاعل المعلومات الحاضرة مع الماضية وإنتاج تنظيمات عقلية جديدة.
تعريف الادراك :
عرف الادراك: انه العمليات التي تتم بها معرفة الفرد لبيئته الخارجية التي يعيش فيها ولحالته الداخلية، أي اعطاء معنى للمحسوسات، وتحديد دلاله للشيء المدرك يتم بواسطة معرفة ما حولنا من اشياء عن طريق الحواس مثل الصوت الذي نسمعه ليس مجرد صوت بل يتم تفسيره على انه صوت سيارة او غير ذلك.
الادراك الحسي:
وهي العمليات العقلية التي يتم اعطاء الفرد معنى للمثيرات الحسية الصادرة عن الموضوعات التي تحيط به، وعن حالته الداخلية التي يتلقاها بوسطة أجهزته الحسية المختلفة، بمعنى اخر هي وسيلة الفرد للوصول الى المعرفة والتكيف مع تلك المعرفة، فيدرك الفرد مثلا ان الصوت الذي يسمعه هو صوت صديقه ومن ثم يسلك سلوكا يتناسب مع صديقه. وتصدر تلك المثيرات الحسية من خلال بيئة الفرد الداخلية او الخارجية، فالداخلية مثل احساس الفرد بالجوع والعطش اما الخارجية مثل مشاهدة شيء ما او سماع صوت يدلنا على صاحبة من خلال الحواس المعروفة لدبنا.

وتختلف الاحساسات الناتجة عن المؤثرات الحسية من حيث:
1-  اختلاف الاحساسات في النوع: بحيث تختلف الاحساسات التي تنتقل بواسطة جهاز حسي  عن الاحساسات التي ينقلها جهاز اخر. حيث تختلف الاحساسات البصرية عن الاحساسات الصوتية، كما انها تختلف في نفس النوع مثل اختلاف احساسات الحلو عن احساسات المر.
2-  اختلاف الاحساسات في الشدة: وهي درجة الاختلاف في شدة الاحساس مثل تدرج اللون الواحد.
3-  اختلاف الاحساسات في المدى: تختلف الاحساسات فيما بينها من حيث مساحة القسم من جسم الفرد الذي تؤثر فيه، فقد تؤثر مثلا احساسات الالم في جزء صغير من الجسم او جزء كبير.

عملية الادراك الحسي: هي تفسير وتأويل للاحساسات التي تقلها الاجهزة الحسية المختلفة (السمع، التذوق، البصر، الشم واللمس)، وتعتبر عملية معقدة تتوقف على نفاعل مجموعة عوامل يتعلق بعضها الاخر بالبيئة المحيطة وطبيعة الشيء المدرك.

اهمية الادراك:
1-  الادراك هو الوسيلة التي يتصل الانسان مع بيئته فلا يستطيع ان يحافظ على حياته إلا اذا ادرك الاخطار التي تهدد حياته.
2-  الادراك يوجه السلوك: أذ ان سلوكنا يتوقف على كيفية ادراك الاشياء.
3-  يرتبط الادراك بشخصية الفرد وتوافقه الاجتماعي، فالواقع ان السلوك الاجتماعي للفرد حيال الاخرين يتأثر الى حد كبير بإدراكه لهم، وكلما كان ادراك الشخص دقيقا كان السلوك الاجتماعي سويا، فالشخص الذي يدرك ان هناك خطر على حياته يبتعد عن مصدر الخطر.

انماط الادراك:
1-  النمط التركيبي مقابل النمط التحليلي: يتميز النمط التركيبي بادراك الاشياء ككل متكامل، اما التحليلي فيتميز بالميل الى ادراك التفاصيل والأجزاء اكثر من ادراك الاشياء ككل متكامل.
2-  النمط الموضوعي مقابل النمط الذاتي : يتميز النمط الموضوعي بالتركيز على الدقة والنوعية، في حين يركز النمط الذاتي على الكم دون العناية بالنوع او الدقة او بصحة ما يدركه.
3-  نمط الشخصية المستقلة ونمط الشخصية المعتمدة او الاتكالية: يضع الشخص المستقل احكامه دون تأثير كبير بالمثيرات الادراكية الخارجية، اما الشخص المعتمد فيضع احكامه بحيث يستجيب بسرعة لما يطرأ على الاشياء من تغيرات خارجية ادراكية.

انواع الادراك:
1-  الادراك المتميز المنفصل، كان ندرك الشيء لذاته، فتدرك ان الماء للشرب.
2-  ادراك ينطوي على المعاني والدلالات، بمعنى ان تدرك الاشياء لغيرها، فوجود كفتي الميزان بشكل متساو بالمحكمة دلاله على العدالة.

كيف يحدث الادراك:
تمر عملية الادراك بعمليتين هما:
1-  التنظيم الحسي:
مثل ادراك شكل معين او صوت معين او ملمس معين، ويتم الاحساس عن طريق البصر او اللمس او الذوق او عن طريق العضل، كما ان هنالك احساسات داخلية كالجوع والتعب والألم، وتعتبر الحواس هي المنافذ الرئيسية للإنسان على العالم الخارجي، وهي الاجهزة التي زود بها الانسان للاتصال بهذا العالم. 

2-  عملية التأويل او التفسير:
وهنا نعطي الاشياء والتي نحس بها معنى معينا بناء على الخبرات الموجودة لدينا وبناء على ذكائنا وثقافتنا ومعتقداتنا.

شروط حدوث عملية الادراك:
1-  وجود العالم الخارجي المملوء بأشياء وموضوعات ذات دلاله خاصة تميز كل موضوع منها عن الاخر كما ان كلا منها يؤدي غرضا خاصا.
2-  وجود الذات التي تدرك، فمهما حاولنا ان نستعيض عن الذات بالات وأجهزة، حتى ما هو الكتروني منها، فان عملية الادراك لا يمكن ان تحدث، لان الادراك هو ادراك ذات تشعر بموضوع مدرك.

مبادئ الادراك:
1-  يسير الادراك من الكل الى الجزء: والنظرة الاجمالية تسبق التحليل، فالإنسان اذا نظر الى منظر طبيعي فان اول ما يراه الشكل العام ثم اذا اطال النظر تأخذ تفاصيل المنظر بوضوح.
2-  تنظيم المجال الادراكي الى شكل وأرضية (صورة وخلفية): فالسامع الى نغم معين يدركه على ارضية مكونة من انغام اخرى وضوضاء، او ارضية ساكنة، والناظر الى صورة يدركها على ارضية خاصة بحيث يبرز فيها الشكل عن ارضية الصورة.
3-  ينظم الادراك صورة انتقائية: فالفرد يرى في بيئته موضوعات مختلفة مثل: اشخاص، حيوانات، مباني، طيور،،،الخ. ولا يدخل في مجاله الادراكي سوى موضوعات معينة فقط، وأما بقية الموضوعات، فلا تدرك على الاطلاق  او ربما يدركها بشكل ضعيف.
4-  تتأثر خصائص الجزء بالكل الذي يندرج فيه: فعندما يدخل عنصر معين في اطار كلي، فان خصائص هذا العنصر تكون عرضة للتغير.

العوامل التي تؤثر على الادراك:
أ‌-  العوامل الذاتية: وهي العوامل التي يكون مصدرها الذات التي تدرك مثل الميول والاهتمامات والمزاج والعواطف وفيما يلي توضيح لبعض هذه العوامل:
1-  عوامل انتقائية توجه الادراك وجهة معينة دون غيرها، فالأم تنتبه الى صراخ طفلها ولا تنتبه الى أي صوت اخر.
2-  عوامل تتعلق بشخصية الفرد مما يؤثر في تفسيره لما يدركه ويؤدي الى تحريفه، فقد يرى ابتسامة فرد معين على انها سخرية.
3-  الحالة الجسمية للفرد، فالجائع قد يفسر رؤيته لأشياء غير واضحة على انها طعام بينما يفسرها فرد غير جائع تفسيرا اخر.
4-  الحالة المزاجية يختلف تفسير الاشياء حسب حالته المزاجية من الرضا والقلق والتزمت، وفي حالات الانفعال يتشوه الادراك.
5-  التوقع والتهيؤ النفسي فالفرد يرى ما يتوقع رؤيته ويسمع ما يتوقع ان يسمعه.
6-  العواطف والانحياز والميول فنحن لا نرى عيوب الاشياء التي نحبها.
7-  اثر الكبت، فالكبت يفسد ادراكنا للواقع ولأنفسنا، فنحن لانرى عيوبنا ولكن نسقط هذه العيوب على الاخرين.
8-  اثر المعتقدات: يعجز الانسان عن ادراك الحقائق اذا كانت تخالف معتقداته.
9-  اثر القيم: هي معايير يحكم الناس بها على الاشياء والأفكار والأهداف بأنها هامه او ذات معنى في حياتنا، ويفضلونها على غيرها والقيم تتضمن احكاما عقلية وانفعالية عن العالم الانساني والاجتماعي والمادي وعادة ما يدرك الفرد ان الاشياء التي يحتاجها تكون صعبة المنال.
10-   الاستعداد: استعداد الفرد لمواجهة مواقف ادراكية جديدة والتكيف معها.
11-   الخبرة: تلعب الخبرة دورا هاما في عملية الادراك، وبذلك فان القدره على فهم معنى مدرك معين ترتبط برباط وثيق مع الخبرة.
12-الانتباه: وهو حالة تركيز العقل او الشعور حول موضوع معين، وهذا يعتمد على الموقف الذي يوجه فيه الملاحظة، فاذا كان الموقف غير مألوف فان الفرد يركز الانتباه عليه.
ب‌- العوامل الخارجية: هي التي تخص الموضوع المدرك ومنها: 
1-  التكرار: فالموضوع الذي يتكرر دائما يفرض نفسه في مجال ادراكنا.
2-  الشدة: فالموضوع الاكثر شدة (كالصوت المرتفع) يسهل علينا ادراكه اكثر من الموضوع الاقل شدة.
3-  الحركة: فالموضوع المتحرك يقع في مجال ادراكنا بسرعة اكثر من الموضوع الثابت، وهذه كلها حقائق يدركها جيدا خبراء الدعاية ويستخدمونها لجذب انتباه الناس.
4-  التباين: فالموضوع الغير مألوف يكون اقل ادراكا من الموضوع المألوف.

العلاقة بين الادراك والانتباه:
الانتباه: هو تركيز الشعور في شيء معين ويشير الانتباه الى الكيفية التي يتم فيها اختيار مدركاتنا، فالدماغ يواجه فيضا من المثيرات، لذلك يقوم باختيار المثيرات الجزئية المكونة للمثير الاكثر اهمية واثارة للانتباه، والانتباه يسبق الادراك وهو مشابه عند الجميع بينما يمثل الادراك المعرفة ويأتي بعد الانتباه، وهو مختلف عند الناس، فمثلا عند النظر الى صورة معلقة على الحائط من قبل شخصين فان كلا منهما يرى كل ما في الصورة، ولكن كلا منهما يركز على جانب معين.
يقسم الانتباه من ناحية مثيراته الى ثلاث اقسام هي:
1-  الانتباه القسري (الاجباري): وهنا ننتبه الى بعض المثيرات دون غيرها رغما عنا مثل الانتباه الى صدمة كهربائية او الانتباه للانفجارات والأصوات العالية.
2-  الانتباه التلقائي: بمعنى اننا ننتبه الى الاشياء التي نميل اليها ونهتم بها فعند النظر الى مجموعة من الكتب فان كل فرد يتناول الكتاب الذي يميل اليه.
3-  الانتباه الارادي: بمعنى ان الانسان حر في ان ينتبه او لا ينتبه مثل الانتباه الى محاضرة، او حديث جاف، ويتوقف الجهد المبذول على شدة الدافع الى الانتباه وعلى وضوح الهدف من الانتباه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق