د. لؤي زعول مدخل الى علم النفس
التفكير واللغة
تعريف التفكير:
تكتسب اللغة اهمية كبرى من
العلاقات الموجودة بينها وبين التفكير،
اذ تدخل اللغة في كثير من عمليات التفكير المجرة، والتفكير هو كل نشاط عقلي او كل
عملية معرفية تستند الى استخدام الرموز، اي يعرف التفكير بأنه "تجربه
ذهنية" وليس "تجربة فعلية" والنتيجة هي اختصار في الوقت والجهد
وزيادة في الفاعلية والإنتاج.
الرموز والمفاهيم/ الرموز
والتفكير:
يقصد بالرمز كل ما ينوب عن الشيء من
رموز وهي مختلفة وشتى، منها: الصور الذهنية والمعاني والألفاظ، ومنها الذكريات
والإشارات وكذلك الخرائط الجغرافية والعلامات الموسيقية والصيغ الرياضية. وبهذا
المعنى العام نجد أن التفكير يشمل جميع العمليات العقلية، من التصور والتذكر
والتخيل.
الرموز والمعاني:
لكي نستوعب علاقة الرموز مع المعاني لا
بد من فهم طبيعة "الصور الذهنية" التي تمثل عماد التفكير وأساسه. فإذا
كنت تنظر الى كتاب أمامك وتراه. فالكتاب في هذه الحالة "مدرك حسي" فإذا
أغمضت عينيك استطعت ان تراه أيضاً وما تراه في هذه الحالة يسمى "صورة
حسية" بصرية للكتاب، فالتصور هو إستحياء هذه الاشياء في الذهن على هيئة صور
في غيبة المنبهات الحسية.
ان عملية التفكير عند الانسان تتم عن
طريق استخدام الرموز الدالة على المعاني وبما أن اللغة التي ننطقها هي عبارة عن
عملية رمزية كثيفة فإن الكثير من تفكيرنا يقوم على استخدام اللغة وذلك كله في إطار
(الصورة الذهنية) المرسومة في ذاكرة الإنسان والتي تشمل كما رأينا الصور الحسية
واللفظية على حد سواء.
تكوين المفاهيم والمعاني:
يطلق على تكوين المفاهيم والمعاني عملية
"الإدراك الكلي" او عملية "الإدراك العقلي" وهي عملية تصور
المعاني والمفاهيم والأفكار العامة التي ترمز الى الاشياء وذلك في مقابل
"الإدراك الحسي" الذي هو تصور المفردات الجزئية الخارجية بتأثير
المنبهات الحسية المباشرة.
والرموز هنا هو ما يقوم مقام الاشياء
والحوادث ذات الصفات المشتركة. فهذا الرمز بحد عينه هو ما يشير الى مفهوم معين او
فكرة معينة والمحك هنا هو اللغة ممثلة بالكلمات، ومثال ذلك لنأخذ الكلمات التالية:
ولد، شجرة، دار، شارع، فهذه هي نماذج للمعاني والمفاهيم التي تطلق على مجموعة من
الصفات المشتركة، ولنأخذ الكلمات: يزيد، يسرع، ينقص، يبطئ، فهذه هي نماذج للمعاني
والمفاهيم التي تقوم على علاقات مشتركة.
تكوين المفاهيم واكتساب المعاني يستند
الى: التعميم والتميز.
تبدأ
عملية تكوين المفاهيم واكتساب المعاني منذ الطفولة الأولى وتقوم على الإدراك الحسي
وملاحظة الطفل ما يحيط به من أشياء وأشخاص وأحداث، وتقوم عمليتا "التعميم
والتميز" بدور هام في هذا الاكتساب، فالطفل الصغير يرى في كل رجل أباه وإن
رأى شيئاً صغيراً متحركاً وسمع من يصف هذا الشيء ويقول عنه انه "كلب"
فإن الطفل سوف يرى في كل قط او ارنب او فأر "كلباً" فهو ينزع الى
التعميم الساذج في بادئ الأمر، لكن يتعلم بعد ذلك وعن طريق التدعيم الإجتماعي أن
يميز بين هذه الأشياء بعد أن يلاحظ ما بينها من فوارق. وهكذا ينتقل تدريجياً من
تعميمات غامضة خاطئة الى تعميمات أدق وأكثر تحديداً
والجدير
بالذكر ان عمليات التعميم والتمييز والموازنة هي عمليات ضمنية لا شعورية أي لا
يقوم بها الفرد عن قصد عامد منه الى التحليل والانتزاع والاختبار والتأليف.
بنية
اللغة:
لكي
يسفيد الإنسان مما يكسبه من معان لا بد من أن يرمز اليها برموز حسية يشير إليها
بكلمات او أعداد أو علامات فهذه الرموز المجسمة هي التي تشكل بنية اللغة او
القوالب التي تصب فيها المعاني والمفاهيم حتى يمكن للفرد من الإحتفاظ بها والافادة
منها فالمعاني تظل حائرة في الذهن حتى تستقر في بناء رمزي مناسب فتثبت وتتبلور
وتتركز وتتحدد. وعندئذ يسهل وعيها وتذكرها والتداول معها عند التفكير. وهذا البناء
الرمزي هو في حد ذاته اللغة التي نتكلم بها وتنطق حروفها.
واذا
عدنا الى التعمق في دراسة اللغة فسوف نجد اتجاهين علميين يهتمان باللغة.
1-
عند
علماء الصوتيات الذين اهتموا بالوصف الرسمي لبنية اللغة.
2-
عند
علماء النفس الذين اهتموا بشكل خاص بتحليل كيفية قيام اللغة بوظائفها.
وهذين
الاتجاهين مرتبطين ارتباطاً عضوياً معاً ولا يمكن فصلها عن بعض، كما أنه لا يمكن
إجراؤها بمعزل عن بعضها البعض.
وهذا
يعزز بدوره نوعين من بنية الجملة.
النوع
الأول: هو البناء السطحي للجملة، مثل جملة
تقول: حسن يأكل الخبز، أو الخبز يؤكل أو يأكله حسن. فهاتين الجملتين تحملان نفس
المعنى.
النوع الثاني: هو البناء العميق للجملة، مثل
جملة تقول: إنهم يأكلون الخبز؛ فهذه الجملة تدل على أن بعض الأفراد يأكلون الخبز
او ان هذا الخبز هو للأكل.
ان
هذا النوع من الجمل يعطي الفروق بين البناء السطحي والبناء العميق للجمل، فالبناء
العميق هو ما يشير فعلاً الى المقصود بالجملة. أما البناء السطحي فهو الذي يشير
الى الترتيب الصوتي للجملة أي الى صناعة الجملة وتركيبها.
تطور
اللغة:
بعد
أن يتقن الطفل اللفظ اللغوي الصحيح، يبدأ مرحلة جديدة في تعلمه للكلام وهي المرحلة
التي يجب أن يصل فيها الى مرحلة إتقان المعاني ومعرفة الطرق اللازمة لوضع هذه
المعاني واستخدامها في الجمل اللغوية للتعبير عنها بشيء في نفسه وأفكاره.
فقد
دلت نتائج الأبحاث في مجالات علم الأصوات الى افتراض وجود عامل وراثي يتم عن طريقه
تعلم اللغة واكتسابها، بحيث يمكن للطفل من
خلال هذا العامل ان يبني قوانينه الخاصة في بناء اللغة وأسلوب استخدامها، ومثل هذه
القوانين هي التي تشكل الاسس التي يبني عليها الأطفال نظرياتهم فيما يتعلق
بالاسلوب الذي تعمل اللغة بموجبه، إن الطفل يبدأ في تعديل هذه النظرية الى أن يصل
بها الى مستوى يمكنه من توليد كلام يوازي ويشابه كلام الكبار.
تتطور
المعاني باستمرار ويأخذ هذا التطور في مسيرته خطوت يمكن إجمالها فيما يلي:
1- التطور من الأحيائي الى الموضوعي وتكوين
الجمل البدائية:
لقد قام العالم السويسري "جان
بياجيه" ببحوث على الأطفال فيما بين الثالثة والثالثة عشر من العمر فألقت
الضوء على ما يجول في أذهانهم من معان من الجمادات (وهنا ما يطلق عليه النظرية
الإحيائية) وان الحياة في نظره مرادفه للشعور، فالشجرة تحزن حين تغيب الشمس،
والمسمار يتألم وهو يدق في الحائط، وحوالي الخامسة او السادسة من العمر يمر بمرحلة
اخرى تكون فيها الحياة مرادفة للحركة فأوراق الشجر حية حين تطير مع الريح، ميته
حين لا تطير، ولا تتخذ هذه المعاني في ذهنه دلالاتها عند الراشد الكبير إلا في
حوالي الثانية عشر من عمره. عندئذ لا يعود ينسب الحياة إلا الى الحيوانات
والنباتات.
2- التطور من الحسي الى المعنوي وتكوين
الجمل المركبة.
الملاحظ أن الأطفال يدور أغلب تفكيرهم
في مستوى الإدراك الحسي، ويبدأ هذا فيما لو طلبت الى أطفال في المدرسة الإبتدائية
أن يذكروا لنا بضعة أشياء في موضوع يختارونه فكل ما يستطيعون ذكره لا يعدو أن يكون
أوصافاً لمواقف وأحداث محسوسة. كما يبدو ذلك في تعريف الأطفال للاشياء فالطفل في
سن الخامسة او السادسة يعرف الأشياء بفوائدها وطرق استخدامها، فالكرة هي شيء يلعب
به. والسكين هي شيء يقطع به الخبز.
التباين في التطور اللغوي:
تدل التجارب على أن جميع الأطفال
يستخدمون المعرفة اللغوية وفق ترتيب معين ولكن بدرجات متفاوته، ويعود هذا الاختلاف
في قدرات الاطفال على إستخدامهم اللغة وفهمها الى عوامل كثيرة من أبرزها.
1- الجنس:
حيث أن البنات أسرع من الذكور في نموهن اللغوي فالبنات أكثر حصيلة في المفردات
ويظهر هذا الفرق في السنوات الخمس الاولى ثم يتساويان فيما بين الخامسة والسادسة.
2- العمر الزمني:
كلما تقدم الطفل في السن تقدم في تحصيله اللغوي ويرجع ذلك الى الارتباط بين السن و
النضج.
3- الذكاء:
يتأخر ضعاف العقول في الكلام كما يتأخر العاديون عن الأذكياء.
4- الصحة العامة:
تؤثر الحالة المرضية من حيث تقدمها او تأخرها في عملية النمو اللغوي.
5- ظروف البيئة:
يتأثر النمو اللغوي بظروف البيئة المحيطة او بالخبرات الإجتماعية المتعددة.
6- الاضطرابات الإنفعالية:
تؤثر الاضطرابات الإنفالية التي تحيط بالطفل على نموه اللغوي، فإشباع الحب
والحنان، وشعور الطفل بالأمن يساعده على النمو اللغوي السوي والعكس.
اللغة وأشكال التفكير:
تتضح كفاءة الطفل في استخدام اللغة بمدى
قدرته العقلية على إدراك المفاهيم والعلاقات. وإن هذه القدرة تبدو واضحة لدى الطفل
منذ ميلاده مباشرة (ناحية بيولوجية فسيولوجية) وعلاقة القدرة باللغة هنا لا تدخل
في نطاق المجال الإجتماعي، ولكن سرعان ما تصبح اجتماعية موجهة ذات معنى كلما نما
الطفل، بمعنى أنها مع النمو المتواصل تأخذ شكلاً جديداً من اشكال التفكير.
مراكز الدماغ ذات العلاقة باللغة والترابط
بينها:
1- المركز الأول:
يختص بالكلمات المسموعة ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بجهاز السمع، وله علاقة بتجريد
المفردات والمفاهيم التي يسمعها الطفل من البيئة الخارجية.
2-
المركز
الثاني: يختص بنطق الكلمات او المفردات وهو
مرتكز على المركز الأول ويبدأ عمله في نهاية السنة الأولى من عمر الطفل بشكل
بدائي.
3- المركز الثالث:
يختص بالقراءة ويرتبط هذا المركز بجهاز البصر.
إن هذه المراكز الثلاث تعمل بشكل متماثل
ومترابط وهذه المراكز اللغوية لا تنمو جميعاً في آن واحد بل تنشأ وتنمو بشكل
تدريجي مع نمو الطفل، وان الطفل لا يستطيع ممارسة نشاط في مجال اللغة دون المرور
بالمراحل الثلاث بشكل متتال وصحيح.
اشكال التفكير ومراحل تطورها عند الفرد:
1- المرحلة الإنتقالية العشوائية:
وفيها تكون مفاهيم الطفل الاولى عن الاشياء غير منطقية بل عفوية وتلقائية وعن طريق
تكرارها بشكل عشوائي يتواصل الطفل الى تكون المفاهيم للأشياء من حوله.
2- المرحلة التنظيمية:
تزداد هنا قدرة الطفل على ايجاد اوجه الشبه بين العناصر المتعددة والمختلفة بحيث
يستطيع الطفل تكوين بعض المفاهيم التي تشترك في بعض الصفات والخصائص المتشابهة.
3- المرحلة التجريدية: وفيها
يمكن للطفل بسهولة التعرف على اوجه الشبه والإختلاف بين الاشياء وبذلك يتم تكوين
المفاهيم المتشابهة والمختلفة وتصنيفها.
لقد تعددت أنواع التفكير التي
يستعين بها الإنسان لحل مشكلاته مع تعدد المدارس التي بحثت هذا الموضوع ومنها:
1- سلوك المحاولة والخطأ وهو سلوك حتمي لا
يتضمن بعد النظر.
2- السلوك الترابطي القائم على فكرة المثير
والاستجابة.
3- ان المتعلم يمكن ان يستخدم تفكيراً
يتضمن إدراك المواقف ككل ويصل فيه الى الحل عن طريق الاستبصار.
إلا ان هذه النظريات التقليدية التي
حاولت تفسير عملية التفكير لم تتمكن من التوصل الى الحقيقة الجلية التي بواسطتها
يكسب الإنسان اللغة والمفاهيم المستخدمة لحل المشاكل فاكتساب اللغة لم يعد مجرد
سلوك محاولة او خطأ او سلوك ترابط بين مثير او استجابة او استبصار.
وان الفرد
الإنساني غالباً ما يقوم بعمليات تصنيف وتنظيم للعديد من البيانات والمعلومات
وفقاً لقوانين وأنظمة ويبقى على هذه الحال من التفكير حتى يتوصل الى الحال
الذي يريده.